لمن أتانا مقبلا علينا فجعلناه مديرا.. صاحب قرار نافذ، نقول: إننا نرحب به ما دام يحترم ديننا، وما دام يحترم عاداتنا وتقاليدنا، ولكن إن تعامل بتعال معتقدا بأنه الأفضل، فالمعذرة.. فهو غير مرغوب فيه، فالقاصي والداني يعلم أن هناك المئات بل الآلاف ممن يتمنى الجلوس مكانه، إذ كيف لنا أن نستقبله ونحترمه وهو يتعامل مع أبنائنا الموظفين - شباب المستقبل - بفوقية تحاول التقليل من شأنهم وإذلالهم وتحطيم أحلامهم؟ المدير الذي يعلن رفضه ارتداء أبنائنا الزي الرسمي السعودي وقت الدوام ويطالبهم بحلق لحاهم، يعلم يقينا أنه يعمل في المملكة العربية السعودية ويفترض أن أكثر الموظفين مواطنون سعوديون، ويعلم يقينا من مشاهداته اليومية على الطريق ومن خلال وسائل الإعلام، أن الزي السعودي الوطني يرتديه أبناؤنا في أوقاتهم كلها، فلا نجد شابا سعوديا لا يرتديه في الأعياد وفي حفل تخرجه من الجامعة وفي مقابلته لولاة الأمر وفي حفل زواجه، وهو الزي الرسمي لكبار موظفي الدولة على اختلافهم. نحن ـ بطبيعة الحال ـ لا نمانع إن كان عمل الموظف ميدانيا يتطلب ارتداء زي موحد، ولكن ما العلة المبررة لطلب حلق اللحية، لا أعتقد أن هناك مبررا مقبولا، خاصة أننا في المملكة نجد رجالا ملتحين يعملون في الدفاع المدني والأمن ومديرين وأطباء وعاملين في المجال الصحي وأساتذة جامعات ومهندسين وإداريين وعاملين بالقطاع الخاص وتجارا.. ثم ليتخيل هؤلاء المديرون الوافدون أن مديرهم المباشر أصدر قرارا بارتداء كافة العاملين في إدارته للزي السعودي وإلزامهم بتربية لحاهم كشرط للعمل في المملكة، فهل سيقبلون؟ كل ما نطلبه من الوافدين احترام خصوصيتنا التي نعتز بها، كما نحترم نحن خصوصياتهم وزيهم الرسمي. فأن يصدر المدير الوافد، أو المدير الموطن قرارات تعسفية مخالفة للقانون بغرض استفزازهم لأنهم اعترضوا على قرارات أساسها رغبات شخصية للمدير.. قرارات لا تمت للعمل بصلة، فذلك أمر مرفوض جملة وتفصيلا، فعقد العمل المعتمد من قبل الشركة لا ينص عادة على ضرورة ارتداء زي معين ولا على ضرورة حلق اللحية كشرط لقبول توظيف. لقد استوقفني خبر نشر أخيرا، أشار إلى فصل مهندس سعودي "محمد عوض العنزي" تخصص "هندسة كهربائية جامعة حائل"، من شركة كبرى لها فرع في حائل، وذلك من قبل المشرف على الفرع، وهو وافد من دولة عربية، وقد بين المهندس "محمد"، أنه ومنذ حوالي ثلاثة أشهر تم تعيينه في فرع الشركة في الرياض، وبعد شهر تقدم بطلب نقله إلى حائل وتم النقل، إلا أنه وفي أول يوم دوام له في حائل قابل المشرف على الفرع، الذي منعه من ارتداء الزي الوطني السعودي أثناء الدوام، وطالبه بحلق لحيته، وقد التزم بالأولى دون الثانية، ولذا بدأت سلسلة معاناته التي استمرت قرابة الشهرين، فهذا المدير لم يكتف بمضايقته، بل خالف نص العقد الذي صرح أن ساعات العمل الأسبوعية لا تتجاوز 48 ساعة، إذ طالب المهندس بساعات عمل تتجاوز 60 ساعة أسبوعيا، وحرصا من المهندس على عمله نفذ ذلك دون اعتراض، إلا أن المشرف على الفرع أصدر قرارا بفصله قبل نهاية الأشهر الثلاثة الأولى بيومين، وذلك لمعرفته بأنه يحق للشركة فصله دون أي سبب وذلك خلال فترة تجربة الـ3 أشهر، ويؤكد المهندس العنزي أن زملاءه في العمل مطلعون على سوء تعامل المشرف معه، كما أنه يطالبهم بحلق الشعر الخفيف للحاهم. وسواء صح الخبر أم لا، فالقضية ها هنا لا تتعلق فقط بحالة فردية، بل تكمن في وجود مديرين وافدين ومواطنين أيضا يجهلون حقوق العمال في المملكة، أو يتجاهلون مضامينها، فيحطمون دون مبالاة أحلام شباب مؤهلين تأهيلا عاليا قضوا سنوات من عمرهم يحلمون بفرصة وظيفية تحقق طموحاتهم. هذه الحالة تذكرني بما حدث لطالبتي امتياز خلال تدربهما في إحدى المستشفيات؛ فقد طلب منهما المشرف على التدريب - وهو مع الأسف سعودي الجنسية - عدم ارتداء العباءة والاكتفاء بالروب الأبيض فوق الملابس المعتادة، علما أنهما كن يرتدين الروب فوق العباءة، وارتداء العباءة غير ممنوع في الأقسام الإدارية في مستشفيات كبرى، كما أن مجال التدريب يحتم عليهما العمل في الأقسام الإدارية لا في العنابر الطبية، ولذا اعترضتا عند إدارة التدريب التي احترمت رغبتهما، إلا أن المشرف على التدريب وهو حامل لشهادة الدبلوم، طلب منهما القيام بعمل يقوم به عادة المراسلون الرجال في المستشفى.. فقد طلب منهما حمل ملفات المرضى والتوجه كل منهما منفردة مع المراسل الأجنبي مرارا وتكرارا ذهابا وإيابا، مرورا بكل العيادات، وهذا العمل ـ بطبيعة الحال ـ لا يتفق مع تأهيلهما الجامعي العالي، ولا مع ما هما قادرتان نفسيا على بذله، كما أمرهما بالتدرب على يد موظف رجل كل منهما على حدة ولفترة تصل إلى الشهر، وذلك في غرفة صغيرة تحوي مكتبا واحدا يجمع الطالبة مع المدرب، فما كان من أوليائهن إلا أن اتصلوا بإدارة الجامعة وبحمد الله كان تجاوبهما مع الأمر بشكل فوري، إذ تم الاتصال ـ على الفور ـ بمدير المستشفى وبحمد الله قدر مدير المستشفى الأمر حق قدره وحل الأمر وأوقف تسلط هذا المشرف. لقد آمنت الطالبتان بنفسيهما ولم تتخليا، عن إيمانهما بدينهما وبحقهما الذي ضمنه لهم الله سبحانه في هذا الوطن العزيز، فعلتا ذلك وهما تعلمان أن التدريب جزء من الدراسة، وأنهما لن تتمكنا من التخرج دون شهادة تثبت إتمامهما التدريب من المستشفيات التي يتم تدريبهما فيها، فعلتا ذلك وهما تعلمان أن من أشرف على تدريبهما قادرا ـ لولا حفظ الله ثم دعم إدارة الجامعة والمستشفى ـ على إلحاق غبن بهما، وتعطيل تخرجهما.. بارك الله فيمن ساندهما وجزاهم خير الجزاء.
مشاركة :