تمر النفس البشرية بعدة مراحل هي مزيج من الصور والتصورات، وتنتقل لمرحلة الاعتقاد والمعتقدات، وتنجرف أو تنحاز تارة إلى الايمان وتارة أخرى إلى عدمه، ولا فرق في الحقيقة بين صورة وغيرها، الإيمان من عدمه، فالمؤمن بالصورة الذهنية يحقق هدفًا ذهنيًا معين لا يحققه ذلك غير المؤمن بهذه الصورة أو تلك، والمعنى أن الكثير من المفاهيم تعمل فقط حين الإيمان بها ومن دون الإيمان يتوقف مفعولها لدى الأشخاص الذين لا يؤمنون بها، ولكنها عاملة في الكون وفعالة رغم أي تصر أو معتقد، ومنها الإيمان بالغيب فهو فاعل عامل قائم بذاته، آمن به الفرد أو لم يؤمن به، فكل موجود له فاعليه عرفناه او أنكرناه، عقلناه أو لم نعقله، فالنار تحرق؛ آمنّا بقدرتها على الإحراق أو لم نؤمن أنها فعلًا محرقه، لكن لو جربناها ستحرقنا، كنا مؤمنين بها أو كافرين، فالحقيقة أن التصور لا يُولّد الحقيقة، والعكس صحيح. لعلم اليقين، وحق اليقين، وعين اليقين، مدرستان الأولى سطحية والثانية جوهرية، الأولى تقول إن علم اليقين هو أن تسمع بالشيء ولا تراه فهذا علم، ولكنك إذا تيقنت منه فهذا علم اليقين؛ فإذا علمت بشيء فتيقنت منه كان لديك علم اليقين. وحق اليقين هو أن يخبرك الثقاة بأمور تواتريه تبلغ درجة حد التواتر، فتتيقن دومًا أن هذا الأمر صحيح، فيكون عندك درجة حق اليقين وعين اليقين هو أن ترى الشيء بنفسك، والثانية تقول إن علم اليقين هي الفطرة في داخلك، وحق اليقين وصولك لدرجات الفطنة والمعرفة وتحليل الأمور وتحديد الأصلح فيها، وعين اليقين هي الحكة الت يودعها الله لخواصه الأولياء والسالكين، وكلتا المدرستين صائبتان فيما وصلنا له من تفسير، وهنالك بعض العارفين من يرى أن معنى العلم والحق والعين هي أكبر مما يُذكر. صفاء الإنسان يتمثل في صحة عقله وادراكه، وهو الصحوة الفكرية للذات ونحو الآخرين، فهو سر البقاء، والصفاء عن الشيء علو ويتمثل في العلو عن ملذات الدنيا، وهو سر سعادة الإنسان وسعادة مجتمعه، مراتب العلم والحق تُوسع قيمة الإنسان ليدرك علمًا ووعيًا وفهمًا تلك المراتب التي يبلغ بها حد الصفاء الروحي، صفاء القلب ابتداء من خلوه من النزعات والشوائب والشك والتردد، ليكون العبد مقدامًا مبادرًا ونشط، والفارق في الإنسان ذي القب الصافي وغيره من الناس هو القدرة على بناء الذات والتحمل والتصبر في جنب الله، والإحتساب لأنه يرى حق اليقين أنه في خير وإلى خير، وما يجعل المؤمن في سعة من أمره وعلم ويقين ليصل لحق اليقين هو إدراك القرآن الكريم فكل آية من القرآن الكريم هي حق يقين وإن لم نشاهدها بالظاهر، إلا أن الإيمان بالغيب شهود حقيقي ورجعة للوعي الباطني، وكلمنا استعد العبد لفهم القرآن وصل لدرجة حق اليقين دون الحاجة للمراتب التي ذكرناها آنفًا، وهذا شهر رمضان شهر القرآن قد فتح لنا الباب لنصل لهذه المراتب العالية.
مشاركة :