فِي الوَقت الذي يُنَاقِشُون في الغَرب فَنّ الاعتذَار، وطَريقته السَّديدَة والمُحْكمة، مَازلنَا نَحنُ نَتعثَّر في ثَقَافة الاعتذَار، وهل هي مَوجودة عِندنَا أَم لَا؟ وهَل نُقدِّمها لمَن نُخطئ بحَقِّهم، أَم نَتردَّد ونَقول: «إذَا زعل فُلان فليَخبط رَأسه بالجِدَار، أَو ليَشرب مِن مَاء البَحر»، خَاصَّةً وأَنَّ الجزيرَة العَربيّة يَحدّها المَاء مِن ثَلاثِ جِهَات..؟! إنَّ مِن أَهمِّ الآدَاب التي يَجب أَنْ نَتعلَّمها ونُعلِّمها، وتَكون ضِمن المُقرَّرات في المَدارس، هي آدَاب «فَنِّ الاعتذَار»، وقَد قِيل الكَثير عَن طَريقة الاعتذَار اللَّبقَة، ودَعوني هُنَا أستَشهد بالعَالِم الأُستَاذ «راندي بوتش»، صَاحب كِتَاب «المُحَاضرَة الأَخيرَة» -الذي استَشهَدنَا بِهِ في مَقالِ أَمس-، حَيثُ حَدَّد نَوعين مِن الاعتذَارَات السَّيئة، وهُمَا: 1- «آسِف لأنِّي جَرحتُ مَشَاعرك بِمَا فَعلتُه». وتِلك مُحَاولة لعِلَاج المَشَاعر العَاطفيّة، ولَكن مِن الوَاضِح أنَّها لَا تُقدِّم أَي عِلاج؛ لمُدَاوَاة الجرْح! 2- «أَعتَذر عَلى مَا بَدَر مِنِّي، ولَكن هَذا لَا يَمنع مِن أنَّك -أَيضاً- مَدين لِي بالاعتذَار». ولَيس هَذا بتَقديم اعتذَار، بَل طَلَب اعتذَار مِن الآخَر! إنَّ السيّد «راندي بوتش»؛ يَعترض هُنَا عَلَى مِثل هَذه الاعتذَارَات، لأنَّ صِيغتها لَا تُوحي بالصِّدق، واستشعَار الخَطَأ، مُؤكِّداً أَنَّ الاعتذَار الصَّحيح المُنَاسب؛ لَه صِيَغ ثَلاث، وهي: 1- أَعتَرَف بخَطأ مَا قُمتُ بِهِ! 2- أَشعرُ بتَأنيب ضَميري بسَبَب جَرحِي لمَشَاعرك! 3- مَا الذي يُمكن أَنْ أُقدِّمه لَك؟! إنَّ المُخطئ يَجب أَنْ يَستَشْعِر خَطأه حِين الاعتذَار، لَيس هَذا فَقَط، بَل يَجب أَنْ يَشعر مَن تَعتَذر إليهِ؛ بأنَّك نَادِمٌ عَلى مَا فَعَلْت، ومُعتَرف بخَطئك، ومُستَعد لتَصحيحه، إذَا كَان ذَلك مُمكِناً..! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي أَنْ نُؤكِّد أَنْ الاعتذَار مِن شِيَم النُّبلَاء، وأَفَاضِل النَّاس، فحَاول أَنْ تُدرِّب نَفسك عَلى الاعترَاف بالخَطأ، كُلَّما بَدَر مِنك، ولَا تَجعل اعتذَارك مَجانيًّا رَخيصاً، بَل اجعَله صَادقاً، وكَأنَّه وَاجِب أَخلَاقِي؛ يَجب عَليك فِعله، وتَحمُّل نَتَائِجه، ومَا يَترتّب عَليه مِن تَبعاتٍ ومَسؤوليّات..!! تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com
مشاركة :