شنّت فصائل المعارضة السورية أمس هجمات واسعة في قلب مدينة حلب، كبرى مدن شمال البلاد، في إطار مسعى واضح لتخفيف الضغط عن جبهة الملاح في شمال المدينة بعد يوم من فشل المعارضين في إبعاد القوات النظامية عن طريق الكاستيلو وفك الحصار الفعلي الذي بات مفروضاً على الأحياء الشرقية الواقعة تحت سيطرة الفصائل في حلب. وسُجّل أمس نقص كبير في المواد الغذائية في أحياء المعارضة نتيجة قطع طريق الكاستيلو. وقال «المرصد السوري لحقوق الإنسان» ومصادر في المعارضة إن فصائل المعارضة شنت هجوماً داخل المنطقة التاريخية وسط حلب الاثنين رداً على هجوم القوات النظامية والذي قطع طريق الكاستيلو المؤدي إلى الجزء الذي تسيطر عليه المعارضة من المدينة. وتعتمد المعارضة على هذه الطريق للإمدادات والدخول إلى مناطق سيطرتها، وقطعه يضع مناطقها تحت الحصار بشكل فعلي وهي مناطق يعيش فيها ما لا يقل عن 250 ألف شخص. وأوردت شبكة «الدرر الشامية» الإخبارية أن «الفصائل الثورية في مدينة حلب نفَّذت سلسلة من العمليات العسكرية» ضد القوات النظامية المتمركزة في وسط المدينة خلال الساعات الـ 48 الماضية وكبدتها خسائر في الأرواح والعتاد. ونقلت «الدرر» عن مراسلها في حلب إن الفصائل «نفَّذت هجوماً على ثلاثة محاور في منطقة العقبة وسوق الهال والمشارقة، حيث تمكنت من السيطرة بشكل موقت على فرع المرور بسوق الهال، فيما لا تزال المعارك مستمرة على بقية المحاور». وأضافت أن المعارضين قتلوا ما يقارب من عشرين عنصراً «في تفجير نفق حُفر مسبقاً تحت مناطق تمركز قوات (الرئيس السوري بشار) الأسد في منطقة العقبة» وهو تفجير تبعه «هجوم عنيف بالأسلحة الثقيلة والمتوسطة». أما «المرصد السوري لحقوق الإنسان» ومقره بريطانيا فقال إن قوات المعارضة أطلقت أكثر من 300 قذيفة في وقت مبكر من صباح الاثنين على الأحياء الغربية التي تسيطر عليها الحكومة في حلب مما أسفر عن مقتل خمسة أشخاص وإصابة نحو 12 آخرين. وقال التلفزيون الرسمي السوري إن ثمانية أشخاص قتلوا في حلب وتهدمت مبان جراء القصف. وقال زكريا ملاحفجي من تجمع «فاستقم كما أمرت» ومقره حلب لـ «رويترز» إن الهجوم هو رد على محاولات الحكومة التقدم. وأضاف أن عناصر المعارضة حققوا مكاسب بالفعل وأن معظم القتال يدور في المدينة القديمة التاريخية في حلب. وقال شاهد إن هناك اشتباكات عنيفة تدور على مقربة من القلعة القديمة. وفيما قال مراسل للتلفزيون الرسمي السوري إن قتالاً عنيفاً دار منذ الصباح وإن الجيش صد هجمات للمعارضة مما تسبب في قتل عدد كبير من عناصرها، تحدث «المرصد» عن اشتباكات عنيفة دارت خلال النهار بين القوات النظامية وبين الفصائل الإسلامية والمقاتلة «في محيط طريق الكاستيلو ومزارع الملاح شمال حلب، بينما قصفت قوات النظام مناطق في أحياء الكلاسة والجلوم وباب قنسرين وباب الحديد بحلب القديمة في مدينة حلب، كما استشهد 3 مواطنين جراء قصف طائرات حربية لمناطق في حلب القديمة صباحاً». وأكدت محطة تلفزيونية موالية لدمشق أن الطائرات الروسية التي تدعم الحكومة تقصف مناطق شمال حلب قرب طريق الكاستيلو. وأفاد بيان صادر عن المكتب السياسي لـ «الجبهة الشامية» وهي إحدى جماعات المعارضة إن تقدم الحكومة قرب الطريق جاء بدعم من حلفائها من عدة جنسيات بغطاء جوي روسي وبكثافة نيران غير مسبوقة. ويساند الأسد كل من موسكو - التي شنت حملة ضربات جوية في سورية منذ أيلول (سبتمبر) - وقوات إيرانية وعناصر من «حزب الله» اللبناني. وقال «حزب الله» إنه يعتبر حلب أهم معركة في سورية وتوازي في أهميتها الدفاع عن دمشق ذاتها. وقتل المئات من عناصر الحزب في الصراع. وقال مصدر أمني لـ «رويترز» إن قيادياً آخر من القيادات المتوسطة في الحزب يدعى سمير عواضة قتل في الأيام القليلة الماضية. ويقول حلفاء الرئيس السوري إنهم يقاتلون «جبهة النصرة» في حلب. لكن جماعات تقاتل تحت مظلة «الجيش السوري الحر» تقول إنها تسيطر على مناطق في المدينة. وقالت «جبهة النصرة»، ذراع تنظيم «القاعدة» في سورية في بيان إنها شنت هجوماً أمس في وسط حلب وتقدمت باتجاه سوق الهال في منطقة تسيطر عليها الحكومة. لكن ملاحفجي قال إن وجود «جبهة النصرة» في حلب محدود. ونقلت «فرانس برس» عن «أحمد» وهو أحد سكان حي السريان في حلب قوله بعد تعرض منزله للقصف: «انهالت القذائف على الأحياء الغربية (الخاضعة للنظام) منذ الساعة الرابعة والنصف فجر الاثنين». ووصف الوضع بـ «المحزن». وتجمع أهالي حي السريان في منطقة الدمار يرفعون الأنقاض ويساعدون سكان المباني المتضررة على جمع أغراضهم والبحث عن مكان آخر يلجأون إليه، وفق أحمد. وأظهرت صور التقطها مراسل «فرانس برس» شارعاً في حي السريان وقد ملأه الحطام، وعلى جانبيه سيارات مدمرة أو محترقة بالكامل. ولم تحقق الفصائل أي خرق، وفق مدير «المرصد» رامي عبدالرحمن الذي أشار إلى أن ذلك «يعود بشكل خاص إلى القصف الجوي لقوات النظام على مناطق الاشتباك» وعلى أحياء أخرى في الجهة الشرقية. وتعرضت المدينة القديمة لدمار كبير نتيجة المعارك طاول أسواقها المدرجة على لائحة اليونيسكو للتراث العالمي، فضلاً عن تجمعات سكنية تعود إلى سبعة آلاف عام. وتتقاسم قوات النظام والفصائل السيطرة على أحياء مدينة حلب منذ 2012. وأكد محمود أبو مالك من المكتب الإعلامي لـ «حركة نور الدين الزنكي» المقاتلة المعارضة في حلب أن «كتائب الثوار استخدمت في هجومها على وسط مدينة حلب كافة أنواع المدفعية الثقيلة والرشاشات»، مشيراً إلى أن الهدف من الهجوم «تخفيف الضغط عن جبهة الملاح وحندرات»، في إشارة إلى المعارك الدائرة في منطقة الكاستيلو. وأغلقت قوات النظام الخميس طريق الكاستيلو بعدما تمكنت من السيطرة عليه نارياً وواصلت التقدم باتجاهه لتصبح حالياً على بعد حوالى 500 متر منه. أزمة غذائية وبدأت أزمة النقص في المواد الغذائية تتفاقم في حلب. وأظهرت صور التقطها مراسل «فرانس برس» أسواقاً فارغة بمعظمها من المواد الغذائية والخضار. ويعيش ما بين 200 -250 ألف شخص في أحياء حلب الشرقية. وتسعى القوات النظامية إلى تطبيق حصار كامل عليها. وأشار مراسل «فرانس برس» في الأحياء الشرقية إلى نقص أيضاً في المحروقات، البنزين والمازوت والغاز للاستخدام المنزلي. وقال أحد السكان بلال طرقجي: «ذهبت اليوم لتعبئة دراجتي النارية بالبنزين ولم أجد، بحثت كثيراً دون جدوى». وكان عدد كبير من السكان سارعوا مع بدء المعارك إلى شراء المواد التموينية بكثرة، لذلك فرغت الأسواق من المنتجات. كذلك، فرغت الشوارع من المواطنين الذي فضلوا البقاء في منازلهم تفادياً للقصف. وقال بائع الخضار «أبو محمد» وهو يجر عربة عليها كميات قليلة من الباذنجان والكوسى والبصل في حي بستان القصر، لـ «فرانس برس»: «الخضار قليلة اليوم لأن طريق الكاستيلو مقطوع»، مشيراً إلى أن الخضار المتوافرة «تزرع حولنا داخل المدينة. لولا ذلك (...) لما رأينا الخضار أبداً». ووقعت أعمال العنف الأخيرة خلال تهدئة لمدة 72 ساعة على مستوى البلاد أعلنها الجيش السوري. لكن «المرصد» يقول إن وقفاً سابقاً لإطلاق النار كان خدعة وتم استغلاله لشن الهجوم على طريق الكاستيلو. وأصبحت حلب - كبرى المدن السورية قبل الحرب - ساحة قتال رئيسية في الحرب الدائرة منذ أكثر من خمس سنوات وشهدت تصعيداً في القتال بعد انهيار محادثات السلام ووقف هش لإطلاق النار في وقت سابق من هذا العام. والسيطرة على حلب ستشكل نصراً استراتيجياً لحكومة دمشق التي تسيطر على المراكز المزدحمة بالسكان في غرب البلاد باستثناء المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في حلب ومدينة إدلب. كما تسيطر المعارضة على جيوب في مناطق أخرى في غرب سورية. ويسيطر مقاتلون أكراد على مناطق شاسعة على امتداد الحدود مع تركيا وبالقرب منها في حين يسيطر تنظيم «داعش» على الرقة ودير الزور في الشرق. وفي ريف حلب الشمالي الشرقي، قال «المرصد» إن اشتباكات عنيفة تدور بين «قوات سورية الديموقراطية» وتنظيم «داعش» في منطقة مدرسة العاديات بجنوب مدينة منبج «وسط تقدم لقوات سورية الديموقراطية في المنطقة ومعلومات عن سيطرتها على المدرسة»، مشيراً إلى أن الاشتباكات ترافقت مع قصف طائرات حربية تابعة للتحالف الدولي لمناطق في أطراف المدينة، فيما «دارت اشتباكات عنيفة بين الطرفين غرب قرية الدادات بريف منبج، بالتزامن مع استهدافات متبادلة». وفي محافظة إدلب، أفاد «المرصد» أنه «ارتفع إلى 3 بينهم طفل عدد الشهداء الذين قضوا جراء قصف طائرات حربية لمناطق في بلدة احسم بجبل الزاوية، كما ارتفع إلى 14 على الأقل بينهم طفل و3 عناصر من الدفاع المدني وناشط إعلامي، عدد الشهداء الذين قضوا جراء قصف طائرات حربية لمناطق في سوق ببلدة ترمانين بريف إدلب الشمالي، وأماكن في سوق بالقرب من البلدة على الطريق الواصل إلى دارة عزة، والعدد مرشح للارتفاع لوجود جرحى بحالات خطرة». من جهة أخرى، أوردت «الدرر الشامية» أن «كتيبة أحمد عساف» العاملة في مدينة بنش وريفها في محافظة إدلب والتابعة لـ «حركة أحرار الشام الإسلامية»، أعلنت أنها قبضت «على خلية تابعة لتنظيم الدولة أثناء قيامها بزرع العبوات الناسفة بسيارات تابعة للحركة وجبهة النصرة». وكانت مدينة بنش شهدت قبل أسابيع موجة تفجيرات انتحارية استهدفت مقرات تابعة لكتائب الفاروق وحركة أحرار الشام». وفي محافظة ريف دمشق، قال «المرصد» إن اشتباكات عنيفة تدور بين الفصائل الإسلامية والمقاتلة من جهة، والقوات النظامية والمسلحين الموالين لها من جهة أخرى، في محيط مدينة داريا بالغوطة الغربية إثر هجوم من الطرف الأخير على المنطقة وتقدمه «في المدينة وأطرافها وسيطرته على كتل سكنية فيها». وأضاف أن طائرات حربية أغارت على محيط بلدة ميدعا وقرية حوش نصري وأماكن في بلدة الميدعاني بالغوطة الشرقية، «وسط اشتباكات عنيفة بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جهة، والفصائل الإسلامية من جهة أخرى، في أطراف بلدة الميدعاني». وفي محافظة حمص، تحدث «المرصد» عن اشتباكات عنيفة بين القوات النظامية وتنظيم «داعش» في محيط حقل آرك النفطي في ريف حمص الشرقي، مضيفاً أن «داعش» استهدف بصاروخ موجه مدفعاً رشاشاً لقوات النظام في محور صوامع الحبوب شمال شرقي مدينة تدمر في ريف حمص الشرقي، ما أدى إلى إعطابه ووقوع خسائر بشرية في صفوف الجيش النظامي. وأشار، من جهة أخرى، إلى إلقاء الطيران المروحي مناشير على ريف حمص الشمالي تطالب المقاتلين بتسليم أنفسهم.
مشاركة :