مؤسساتنا الأمنية قد نجحت ولله الحمد في الـحَـد من العمليات الإرهابية، بمحاولة تجفيف منابعها، والوصول للعقول المدبرة لها في أوكارهم وزاوياهم المظلمة والبعيدة، ولكن في ميدان المعالجة الفكرية؛ لم تؤتِ الجهود أُكـلـها، رغم كثرة الدراسات والمؤتمرات والأبحاث، فما زالت الجماعات الإرهابية على مختلف مسمياتها قادرة على استقطاب طائفة من شبابنا، والعمليات الأخيرة، وكذا قوائم المطلوبين التي تعلنها وزارة الداخلية خير شاهد. وهذا أراه يتطلب خطة استراتيجية ذات أهداف بعيدة وقصيرة المدى، تشارك في صناعتها وتنفيذها جميع المؤسسات المعنية: (الأُسْــرَة، والتعليم العام، والجامعات، وهيئة كبار العلماء، والشؤون الإسلامية بِـدعاتها ومنابر مساجدها، والمتخصصون في علوم التربية والاجتماع والنّـفس، وكذا الإعـلام بمختلف أدواته وقوالبه)؛ على أن تُـنَـفَّـذ في حملة وطنية تشتمل على برامج تطبيقية واقعية ناطقة بلغة العصر. وأجزم أن البداية تكون من محطة وضع مؤشرات واضحة وصادقة تُـساعد الأسرة في الـكَـشْــف عن جـنُــوح أبنائها عن وسطية الإسلام، وميلهم نحو التطرف والإرهاب، ومن خلال مشاركتي في العديد من المؤتمرات والدراسات داخل المملكة وخارجها، واطلاعي على الكثير منها فإن أبرز تلك المؤشرات التي على الأسَـر الانتباه لها: ( الـعُـزْلَـة، والشعور بالـغُـربة: التي تجعل الشاب بعيداً عن أسرته، وزملائه ومجتمعه، مَـيّـالاً للبقاء في المنزل أسيراً لغرفته، وكذا شُــروده الـذّهــني: الذي يجعله تائهاً، ينفر عن محيطه، وإدمانه للإنترنت، وهناك إظهار إعجابه بالجماعات الإرهابية ودُعاتها وزعمائها، وفَــرحه بما تُـنَـفِـذّه من عمليات هنا وهناك، وشعوره المستمر بالإحباط، وحديثه عن جراحات الأمّـة! ومن المؤشرات أيضاً انتقاد الـفتى الدائم للعلماء والدعاة المعتبرين، واتهامهم بأنهم علماء سُـلطة أو سُـلطان، ومسارعته في تـكفير الحكومات ورجال الأمن وكل معارض لما يعتقده، واستحلال دمائهم، وهناك إهمالـه لـنَـفسه ومَـظْـهَـره، ولدراسته أو عَـمَـلِه، وخوفه وحَــذره من التعامل مع الناس، ورَفْـضُـهُ للتعايش مع الآخَـــر، وبُـعْــدهُ عن الصلاة في المساجد بزعم أن أئمتها موظفون لدى الحكومة، وانتقاده للمناهج الدراسية، وأنها متهاونة في القضايا الدينيّـة، والرّغـبة في الـسَّـفَـر لمناطق الصّـراعات في سوريا والعراق وغيرهما...)! هذه أبرز المؤشرات التي منها يمكن للأبوين معرفة أن أبناءهم قد دخلوا دائرة خطر تأثير الأفكار المنحرفة الضالة، فعليهم الانتباه، والتواصل مع المؤسسات ذات العلاقة التي ستقوم بدورها في حمايتهم وإعادتهم للطريق المستقيم! فهل تجمع تلك المؤشرات بشمولية، ودقة، وعناية، وتركيز، ومن ثَـمّ يتم نشرها عبر كل القنوات الممكنة، والوسائل الإعلامية التقليدية والحديثة، وعلى مختلف الصُّـعُــد في المناطق والمحافظات والمراكز؟! نأمل ذلك، ولعل القائمين على مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة يتبنون ذلك بما يملكونه من خبرات في هذا المجال. aaljamili@yahoo.com
مشاركة :