الإتجار بالتنوير! | شريف قنديل

  • 7/29/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

المتأمل في الساحة الاعلامية العربية هذه الأيام يهوله حجم انتشار التنويريين الجدد الذين لا علاقة لهم بالنور! ولقد كان يمكن أن تكون الظاهرة مقياس تقدم وحضارة لولا أنهم انصرفوا لتقليد التنويريين أو بقاياهم في الغرب دونما اعتبار لأرض أو عرض أو لغة أو ثقافة أو دين! افتح الآن أي قناة أو مجلة أو جريدة ستجدهم متمترسين في مواقعهم وزواياهم للهجوم على التراث العربي والإسلامي بدعوى التنوير والابلاغ عن أي موقف أو حكاية أو حديث أو أية تحفز أو تدافع عن كرامة الاسلام والمسلمين! لقد كتب المفكر المصري جلال أمين كتابه عن التنوير الزائف عام 1996 محذراً من التنويريين الجدد المقلدين بلا وعي للآخرين ومذكراً بما تم طرحه عام 1890. ولعله الآن بل أجزم أنه الآن مصاب بالإحباط الذي يمنعه من الكتابة عن التنويريين العرب في عام 2016! أقول، شيئاً فشيئا زادت حدة التقليد لدى المتنورين العرب الجدد حد الترديد..ترديد عبارات ومصطلحات جاهزة يستخدمها رموز اليمين المتطرف في الغرب للتعبير عن ضيقهم وسخطهم على العرب والمسلمين! لقد بات لدينا من الكتاب والإعلاميين من يشمئزون علناً من عروبتهم وإسلامهم..من لغتهم وتراثهم.. من قرآنهم وسنتهم، فإن قلت مهلاً أو نحو ذلك، قالوا بل كالوا لك الاتهامات باعتبارك من «أعداء الشعب». والحق أن الوصف الأخير هو نفس الوصف الذي كان يطلقه المتنورون الغربيون على المتصدين لهم في العالم الثالث في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي! شيئاً فشيئاً بات كتَّاب وإعلاميو الغرب ممن في قلوبهم مرض أو غرض يستدلون بمقولات لكتَّاب وإعلاميين بل وساسة عرب يحلو لهم الطعن في التراث الإسلامي القديم! وفي المقابل تسابق التنويريون العرب في القيام بحملات وهجمات انتقلت من محمد بن عبد الوهاب وابن تيمية الى محمد بن عبد الله والشريعة الإسلامية! تلونت بل تلوثت الأقلام العربية بالحبر المدان حتى بات أصحابها غرباء ..يداً ووجهاً وعقلاً ولساناً! بات بيننا ألف فولتير عربي دعيٍّ متعصبٍ لقناعاته أو لمعارفه السطحية التافهة وتحيزاته المعيبة الفاضحة محذراً طوال الوقت من التحيز للإسلام والمسلمين! بات بيننا ألف برتراند رُسِل يهاجم التعصب عندما يكون للإسلام وللمسلمين فقط ثم يصمت أو يخرس تماماً عندما يظهر بل يطفح تحيز وتعصب الآخرين! لقد بات من الواضح تماما أن بيننا الآن تنويريين عرباً يرفعون علناً شعار الهجوم على الموقف العربي الاسلامي، باعتباره المصدر الوحيد الممكن للتعصب الذميم والاعتداء على الآخرين، بل إنهم - كما يقول جلال أمين - يرفضون التسليم بإمكانية التعايش بين التمسك بالعقيدة الدينية الصافية وبين موقف «مستنير» للغاية من الحرية والتسامح ومن العقلانية والعلم! لقد خرس المتنورون العرب وتعاموا ويتعامون عن القتل والذبح والحرق طالما كان المقتول عربياً مسلماً باعتباره «يستاهل» أما إذا كان المقتول أروربياً مسيحياً او يهودياً راحوا يلطمون الخدود على ضياع حقوق الانسان! بلا تردد ولا مواربة قال جلال أمين عام 1996 وأجدني أقول معه عام 2016: يوجد بيننا بعض التنويريين الحقيقيين ولكني ألفت النظر الى نوع آخر من المنتشرين بكثرة الآن للمتاجرة بالتنوير. لقد أدركوا أن أربح تجارة إعلامية وسياسية هي المزايدة والاتجار بالتنوير، إذ إن الغرب لا يظهر الآن من الكرم والأريحية إزاء مثقفي العالم الثالث وعلى الأخص المثقفين العرب والمسلمين مثلما يظهرون لدعاة «التنوير» .. كما أن اسرائيل تظهر لهم نفس الدرجة من الرضا والترحيب. لقد صدعنا التنويريون الجدد من الحديث عن خطورة الإتجار بالدين فماذا عن التجارة المعلنة بالتنوير؟! الواضح عندي أن المتنورين المراهقين الجدد يمسكون بأسلاك كهربائية عارية ومكشوفة بدعوى سعيهم لإنارة المنطقة العربية، ومن البديهي على هذا النحو أنها إما ستحرقهم مثلما حرقت غيرهم فلم يعد أحد يسمع عنهم أو تحرق المنطقة معهم.. فهل انتبهنا؟! sherif.kandil@al-madina.com

مشاركة :