التكيف وفلسفة النجاح والفشل

  • 7/29/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

قال الابن لوالده: لقد فشلت. أجاب الأب: أنت مع الأسف لا تستحق أن تنتمي للفاشلين، أنت لم تحاول، الفشل طريق الى النجاح وأنت لم تسلك هذا الطريق. نقرأ اليوم في كتاب بعنوان (تكيف، لماذا يبدأ النجاح دائما بالفشل) تأليف تيم هارفورد، ترجمة عماد إبراهيم عبده/الأهلية للنشر والتوزيع/2014. أن نجعل الفشل شيئا من الممكن النجاة معه، يعني في كثير من الأحيان، اتخاذ خطوات صغيرة ولكن ليس دائما، فكثير من الابتكارات تأتي من قفزات كبيرة غير مضمونة، والنجاة من مثل هذه القفزات ليس أمراً سهلاً يتناول الكتاب قضية النجاح والفشل، وطريق التجربة والخطأ في معالجة المشكلات والتحديات مثل الإرهاب، والتغير المناخي، والفقر والأزمات الاقتصادية، ودور القيادات والخبرات في حل المشكلات، وكيفية رعاية الأفكار المهمة. الكتاب على حد قول أحد القراء هو مزيج شعبي ممتع من الاقتصاد وعلم النفس. وهو في نظر آخر (كتاب متألق ورائع واستنتاجاته مثيرة. والرسالة بشأن الحاجة لتقبل الفشل لها آثار مهمة ليس فقط لصناعة السياسات، ولكن أيضا لحياة الناس المهنية والشخصية. يجب أن تكون قراءته إلزامية لأي شخص يخدم في الحكومة أو يعمل في شركة أو يحاول أن يبني مسيرة حياة مهنية أو مجرد أنه يحاول التنقل في عالم معقد بشكل متزايد). أما المؤلف فيقول عن كتابه (نحن نواجه تحديا صعبا وكلما كانت المشكلات أكثر تعقيدا وأكثر مراوغة، أصبحت عملية التجربة والخطأ أكثر فعالية مقارنة مع البدائل؛ إلا أنه منهج يسير بعكس فطرتنا، وبعكس الطريقة التي تعمل بها المنظمات التقليدية. وهدف هذا الكتاب هو تقديم جواب لذلك التحدي). أبدأ العرض للقراء الكرام بخطاب ألقاه الرئيس الأميركي أوباما أمام مراسلي البيت الأبيض بعد وصوله الى رئاسة أميركا عام 2008. خطاب يتضمن عادة تناول القضايا بطريقة طريفة مع طرح نكات تلامس الواقع: يقول أوباما في ذلك الخطاب: (نحن فخورون بالتغيير الذي قمنا به في واشنطن في هذه الأيام المئة الأولى، ولكن لا يزال لدينا الكثير من العمل الذي يجب القيام به، كما تعلمون جميعا؛ لذلك أود أن أتحدث قليلا عما تعتزم الإدارة أن تقوم بإنجازه في الأيام المئة المقبلة. سوف نقوم خلال المئة يوم الثانية بتصميم وبناء مكتبة مفتوحة تُكرّس من أجل المئة يوم الأولى... وأعتقد أن أيامي المئة الثانية ستكون ناجحة الى درجة أننا سوف نستكملها في 72 يوما. وفي اليوم 73 سوف أستريح). ذلك الخطاب كما يقول المؤلف تيم هارفورد هو مؤشر على أن الناس ينتظرون كثيرا جدا من رجل واحد. الرؤساء يقدمون الوعود، وبعد التعامل مع الواقع تتبخر تلك الوعود وتنخفض الشعبية. ويعتقد صاحبنا أن هذا الفشل ليس بسبب انتخاب الزعماء غير الملائمين بصفة مستمرة، وانما لوجود احساس متضخم بما يمكن أن تحققه الزعامة في العالم الحديث. يتطرق الكاتب الى دور الخبرة والخبراء في عالم النجاح والفشل، ويشير الى دراسة أجراها باحث في علم النفس يدعى فيليب تيتلوك حاول فيها معرفة حسن تقدير الخبراء لمدة عشرين عاما. الدراسة شملت ثلاثمئة خبير من الذين ينشغلون بالتعليق أو تقديم المشورة بشأن الاتجاهات السياسية والاقتصادية. وكانت النتيجة اخفاق الخبراء في توقع المستقبل. يعتقد المؤلف أن ألذ اكتشافات هذه الدراسة تشير الى أن أشهر الخبراء، أولئك الذين يوصفون متحدثين كبارا عبر شاشة التلفاز كانوا غير كفؤين بصورة خاصة. ينتج عن تلك الدراسة سؤال يطرحه المؤلف: إذا كانت فائدة الخبرة محدودة في مواجهة مجتمعنا البشري المعقد والمتغير باستمرار، فما الذي نستطيع أن نفعله من أجل حل المشكلات التي نواجهها؟ في هذا الكتاب يطلع القارئ على تنظير وتطبيق في مفهوم التكيف والتجربة والخطأ من خلال تجارب واقعية في عالم الاقتصاد والسياسة والحروب. ومن الأسئلة المطروحة في هذا الكتاب: كيف يمكن للفشل أن يستمر لفترة طويلة؟ يجيب المؤلف عن هذا السؤال من خلال أحداث سياسية وعسكرية حديثة، ويستحضر على سبيل المثال الغزو الأميركي للعراق ويقول: (من المستحيل قراءة تاريخ العراق بدون استنتاج أن الحرب كانت نتاج تصورات خاطئة. إلا أن اللافت للنظر هو أنها نفذت بعدم كفاءة مذهلة ولسنوات عديدة). كان وزير الدفاع الأميركي في ذلك الوقت يمارس العناد والقرارات غير الواقعية لدرجة دفعت ببعض القياديين العسكريين الى المخاطرة بمسيرتهم المهنية باتخاذ قرارات تتكيف مع الواقع ولا تتفق مع آراء رؤسائهم. (كان إنكار رامسفيلد للواقع رمزا لرفضه أخذ المشورة من الرجال الذين فهموا الوضع، وكانت واحدة من أولى الفرص للحصول على تغذية راجعة قد أتت حتى قبل أن تبدأ الحرب على العراق. فقد قام الجنرال إريك شينسيكي بتحذير لجنة من مجلس الشيوخ بأنه ستكون هناك حاجة الى قوات تصل الى بضع مئات من الآلاف للتعامل مع تداعيات الغزو. وذلك يبلغ ضعفي أو ثلاثة أضعاف العدد الذي خصصه رامسفيلد.. ولم يكن الجنرال شينسيكي رئيسا لهيئة الأركان فقط، ولكنه كان أيضا قائدا سابقا لقوات حفظ السلام في البوسنة. وقد تم رفض تعليقاته -التي أثبتت فيما بعد أنها كانت دقيقة – بسرعة من قبل نائب دونالد رامسفيلد بوصفها غير دقيقة الى حد بعيد. وذكر مراقبو وزارة الدفاع الأميركية أنه تم تهميش الجنرال شينسيكي بعدئذ حتى موعد التقاعد). في هذا المثال عن العراق يصل المؤلف الى هذه الاستنتاج (من السهل – وهو أمر حقيقي- أن نلقي اللوم في فشل الحرب على العراق على قرارات سيئة في القمة، ولكن كان هناك أكثر من مجرد فشل في الاستراتيجية. فالأخطاء الاستراتيجية شائعة في الحروب. لم يكن هذا يتعلق بمجرد الذهاب الى العراق باستراتيجية خاطئة. لقد كان إخفاقا- بل أسوأ، رفضا – في التكيف) أما أحد الجنود فيعلق على ما حدث في العراق بعبارة (إن احتلال بلد بغباء لا يعني أن عليك أن تغادره بغباء). سوف أكتفي بهذا العرض الموجز السابق مؤملا العودة اليه مرة أخرى للتطرق للتجارب في مجال الاقتصاد وإدارة الأعمال وحل المشكلات الإدارية والاجتماعية. وأختم بوصفة من أجل التكيف بنجاح التي يقدمها المؤلف. والخطوات الثلاث الأساسية من وجهه نظره هي: تجربة أشياء جديدة، مع توقع أن يفشل بعضها، وجعل الفشل أمرا من الممكن الاستمرار بعده، لأنه سيكون أمرا شائعا، وبذل كل ما بوسعك حتى تعرف أنك فشلت. وحتى ننتج أفكارا جديدة يجب علينا أن نتغلب على ميلنا لأن نكون متوافقين مع من حولنا، والتغلب على أولئك الذين لديهم مصلحة في بقاء الوضع الراهن. وأن نجعل الفشل شيئا من الممكن النجاة معه، يعني في كثير من الأحيان، اتخاذ خطوات صغيرة ولكن ليس دائما، فكثير من الابتكارات تأتي من قفزات كبيرة غير مضمونة، والنجاة من مثل هذه القفزات ليس أمرا سهلا. وأخيرا (نهاية المفاجأة ستكون نهاية العلم. الى هذا الحد يجب على العالم أن يبحث باستمرار وأن يأمل في المفاجآت..) روبرت فريدل Yousef_algoblan@hotmail.com

مشاركة :