لَيسَت المَرَّة الأُولَى التي أكتُبُ فِيهَا عَن الهَدَايَا، بَل كَتبتُ وكَتبتُ وسأكتُب، طَالَمَا أنَّ الإهدَاء والتَّهادي طَريقٌ إلَى المَحبَّة، ورَسَائِل للودَاد بَين النَّاس..! ولَكنّي اليَوم سأُحاول أَنْ أُميِّز بَين أَمرين؛ يَتدَاخلَان - في الغَالِب- عَلى النَّاس، وهُمَا الهديّة والرّشوَة، نَظراً لتَقاربهما وتَشَابه سلُوكهما، ولَعلَّ الحَديث النَّبوي يُبيِّن الفَارق الجَوهري بَين مَفهوم الهديّة ومَفهوم الرّشوَة، حَيثُ يَقول الحَديث النَّبوي الشَّريف: (عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلًا مِنْ الْأَسْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا لِي أُهْدِيَ لِي، قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ: مَا بَالُ عَامِلٍ أَبْعَثُهُ فَيَقُولُ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي، أَفَلا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ فِي بَيْتِ أُمِّهِ حَتَّى يَنْظُرَ أَيُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لا، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا يَنَالُ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)..! مِن هُنَا يَتَّضح أَنَّ الإنسَان إذَا كَان مُوظَّفاً، أَو يَتبوَّأ مَنصباً لَه صَلاحيّات ومَسؤوليَّات، فإنَّ الأشيَاء التي تُهدَى إليهِ تَدخُل في بَاب الرّشوَة، أَمَّا إذَا كَان -مِثلي- عَاطِلاً عَن العَمَل، وقَاعِداً -مِثلي- في بَيت أُمّه، فإنَّ كُلّ الهَدَايَا التي تُهدَى إليهِ هي عَطَايَا خَالِصَة، لَا تَشوبها في ذَلك شَائِبَة..! إنَّ الهديّة التي تَأتي في ثِيَاب الرّشوَة ضَارّة بالمُجتَمَع، حَتَّى أَنَّ أَهْل المكسيك يَقولون في أَمثَالهم: (إذَا دَخَلَت الهديّة مِن البَاب، خَرَجَت الأمَانَة مِن الشبَّاك)، وأَهل الدّنمَارك -أَيضاً- يَقولون في أَمثَالهم: (الهَدَايَا تَجعل المَواقف مُسايِرة والقَانون مَطَّاطاً)..! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي أَن نُذكِّر ببَيتٍ شِعري عَريق لـ»أبي العَلَاء المَعرّي» -صَاحب الحِكْمَة ورَهين المَحبَسين- يَقول فَيهِ: قبُول الهَدَايَا سُنَّة مُستَحبَّة إذَا هي لَم تَسلك طَريق تَحَابي! تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com
مشاركة :