يا شركة الكهرباء.. اتقوا الله

  • 8/10/2016
  • 00:00
  • 43
  • 0
  • 0
news-picture

< ليس هناك أسوأ من خصومة الضعيف للقوي، وأسوأ منها خصومة الفرد لهيئة تتوارى خلف مئات المكاتب وتحتمي بالأنظمة، ولديها فريق مدرب من العاملين القادرين على التهوين من قضيتك، وحقيقة الأمر هو التهوين من شخصك وإنسانيتك، وأسوأ من ذلك كله عندما تكون حاجتك مربوطة في شكل تام بهذه الهيئة وليس لها منافسون تستطيع أن تختار من بين أفضل السيئين، وحتى لو وجد فإن ثمة رباطاً متيناً من المصالح بينها، فيكون المواطن بينها ككرة تتقاذفها الأقدام ليخرج من هذه المعركة الحقوقية خاسراً، ليس مادياً فقط، بل صحياً ونفسياً، فهل استطاع مواطن يوماً ما أن ينتصر لنفسه بكل الطرق المشروعة على خصوم ألداء كشركة الكهرباء والماء والاتصالات؟ أكاد أجزم أنه لم يحدث، كل ما في الأمر سدد قبل أن تُفْصل عنك الخدمة، ثم اذهب إلى من تشاء لرفع شكواك. لن أتحدث اليوم عن الاتصالات أو الماء اللتين نعاني منهما ولا نزال، بل عن شركة الكهرباء التي تعلن كل يوم عن مشاريعها الجبارة، وعن خساراتها الفادحة، ومديونياتها التي أعلن عنها ديوان المراقبة سابقاً، وقروضها ببلايين الدولارات من أجل إنشاء محطات، وكأن الشركة الفقيرة لن تستطيع تغطية نفقات مشاريعها من عوائد الفواتير المبالغ فيها جداً، إلا من ظهر هذا المواطن المسكين الذي وقع في فخ هذه الشركة وغيرها من الشركات المرفوع عنها قلم المحاسبة. تدعي شركة الكهرباء في كل رسائلها أنها شريكة للمواطن، وفي الصورة التي وضعتها في موقعها تصافحه وتشد على يده، وتدعي أنها تسعى دوماً إلى بناء علاقة وثيقة مع المقاولين والمورّدين والمصنّعين، التي تسهم في تحقيق النجاحات المستمرة، وذلك من خلال علاقة تفاعلية مع شركائها في الأعمال، لكنها لا تسعى للنظر إلى المواطن بعين الرحمة، لذلك تعجز عن تبرير كل هذه المبالغات الرقمية في فواتيرها، المواطن الأعزل يستشعر أنه يُسرق، وكثير منهم صمت على مضض، فهو لن يستطيع الاعتراض على الشرائح المفروضة عليه، تلك التي تضاعف كلما زاد استهلاكه للكهرباء، ففي الـ10 الأخيرة من الشهر يكون استهلك ما يعادل الـ20 يوماً السابقة. لن يستطيع أن يصرخ ضد الجور الذي يلحق به، وهو يرى كيف تتحايل الشركة عليه بطريقة غير مقبولة منطقاً وعقلاً عندما ترحّل قراءة العداد إلى الشهر الذي يلي شهر استهلاكه للفاتورة، كي تضاعف مرة أخرى بما يعادل قيمة صرف الشهر الماضي كاملاً، ومع أن هذه الحيلة الخبيثة مكشوفة لا يقبلها الذوق السليم ولا قيم العدل الذي تنصّ عليه شريعتنا السمحة المعمول بها في هذا البلد، فإن صوت المواطن كالعادة يذهب أدراج الرياح، وحاله كما يصفها الشاعر «فيك الخصام وأنت الخصم والحكم». المضحك في الأمر أن تبريرات موظفات استقبال المكالمات الرقيقات الناعمات بعجزهن عن الإجابة على أسئلة الصارخين المستفزين جراء هذه التصرف غير المبرر يلصقنه بقرّاء العدادات وإجازاتهم أيام الأعياد، وهذا عذر أقبح من فعل، ونحن نعلم يقيناً ما نشرته صحيفة «سبق» الإلكترونية في وقت سابق من أن ثمة تسرباً ومظالم رفعت ضد الشركة من عاملي قراءة العدادات أنفسهم، وأن الشركة لم تَفِ بوعودها بإعطائهم بدلاتهم المشروعة، متهمين الشركة بالكذب ونكث وعودها بعدما استهلكتهم بطريقة مبتذلة، على رغم الخطر الذي يتعرضون له، وكثيرون منهم يعملون بسياراتهم الخاصة، متحملين بذلك نفقات الوقود والأعطال التي تتعرض لها، ومع ذلك يحلو لها أن ترمي عيوبها على الضعفاء من العاملين لديها، لِمَ لا تكشف لنا بشفافيتها التي تدعيها - كما تكشف صفقاتها الجبارة بالبلايين مع الشركات العالمية العملاقة بكثير من المباهاة - عن رواتب كبار موظفيها الجالسين في مكاتبهم الفارهة؟ ثم لِمَ لا تقدم لنا تقريراً سنوياً عن أرباحها؟ ولِمَ لا تقدم للمواطن تقريراً آخر عن أولئك الذين أعفوا من دفع رسوم فواتير الكهرباء؟ أم أن المواطن فقط هو من يستحق الاستغفال، ثم لا يسعها إلا أن تقدم له بعض النصائح تخفيفاً للاستهلاك، كأن تطلب منه إبعاد ثلاجته عن الجدار قليلاً، وأن يقوم بعزل منزله عزلاً جيداً، وأن يضع مؤشر درجة التكييف على 24، وكأنهم لا يعيشون في حر صيف مدننا اللاهب، أو أنهم لم يجربوه، فمثلهم في هذه الأوقات لن تراهم إلا في المدن الباردة، أما المواطن المسكين فيستكثر عليه أن يتبرد في بيته، ليت الشركة تقوم كخدمة من خدماتها الجبارة بتوزيع «مهاف» على المواطنين للتقليص من استهلاك الكهرباء، ولكنها بهذا لن تستطيع تسديد ديونها المقدرة بالبلايين، هل تريد شركة الكهرباء حقاً تقليص أحمال صرف الكهرباء؟ الأمر بسيط جداً، لتتوقف عن ضخ الكهرباء بـ«فولتية» عالية للإنارة المزروعة في الشوارع، ثم لتفكر في البدائل الأخرى، فما الذي يمنع الشركة من إبرام الصفقات من أجل استخدام الطاقة البديلة كالطاقة النووية والشمسية، خصوصاً أننا بلد مفتوح على الشمس في أكثر أيام السنة، وحرارتها لا تغرب عن رؤوسنا صيفاً وشتاء؟ أم أن الشركة استمرأت هذه الطريقة في شفط الأموال من جيب المواطن الغلبان، ثم أوجّه سؤالي للحكومة الحريصة كل الحرص على المواطن: «ألا يوجد في البلد إلا هذا الولد»؟ لِمَ لا يسمح لمنافسين آخرين يقدمون خدمة الكهرباء للمواطن بأسعار تنافسية؟ رحمة بالمواطن ورفع هذا الحيف الذي يلحق به.. يا شركة الكهرباء اتقوا الله.     * كاتب وروائي سعودي.   almoziani@

مشاركة :