تسعى الولايات المتحدة لإقناع الرئيس الأفغاني، حامد كرزاي، بتوقيع اتفاقية أمنية تسمح ببقاء عدد قليل من الجنود الأميركيين، للمساعدة في تدريب القوات الأفغانية، والنهوض بمهام ذات صلة بمكافحة الإرهاب. وفي الرابع من شباط فبراير 2014، عقد الرئيس الأميركي، باراك أوباما، اجتماعاً مع قادة عسكريين في وزارة الدفاع (البنتاغون) لمناقشة مستقبل وضع القوات في أفغانستان. وهذا هو ثاني اجتماع موسع يعقده أوباما لهذا الغرض، في الأسابيع القليلة الماضية، حيث كان قد التقى بمجلس الأمن القومي، في منتصف كانون الثاني يناير الماضي. ويرغب مسؤولو الدفاع الأميركيون في حسم قضية الوجود الأميركي في أفغانستان قبل اجتماع وزراء دفاع دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) في بروكسل، في أوائل آذار مارس القادم. وفي الأول من شباط فبراير الجاري، قال الأمين العام لحلف الناتو، أندرس فو راسموسن، إن من غير المحتمل أن يوقع الرئيس كرزاي على اتفاق لبقاء قوات أجنبية بعد عام 2014، وأنه سيترك الخيار على الأرجح لمن سيخلفه. وقال راسموسن إنه واثق من أن أفغانستان ستوقع الاتفاق "في نهاية المطاف". ودون التوصل إلى اتفاق، ستضطر الولايات المتحدة والدول الحليفة إلى سحب جميع قواتها، ولن يكون أمامها "خيار آخر" سوى أن تترك القوات الأفغانية لتحارب وحدها حركة طالبان. وقد شنت الحكومة الأفغانية حملة على إعلانات متلفزة تروج لبقاء القوات الأميركية بعد العام 2014. وتعرضت وسائل الإعلام التي بثت هذه الإعلانات، طوال أسابيع، للتحقيق على أساس أن مصدر تمويلها غير واضح. وتضمنت الإعلانات لقاءات مع مواطنين أفغان يحثون الرئيس كرزاي على توقيع الاتفاق الأمني مع الولايات المتحدة فوراً. وإذا لم يحدث تقدم، فسنكون أمام انسحاب أميركي كامل. ويطلق على هذا الخيار اسم الخيار صفر. وذلك على غرار الانسحاب من العراق نهاية العام 2011. وعلى الرغم من ذلك، فإن الولايات المتحدة قد تستمر في تقديم دعم محدود للقوات الأفغانية، واستخدام طائرات بدون طيار لمواجهة القاعدة وطالبان. وربما تشن قوات أميركية هجمات من حين لآخر، مثلما فعلت في ليبيا والصومال. وقد يجري أيضاً إرسال عدد صغير من القوات الخاصة لتنفيذ مهام تدريب قصيرة، بناء على طلب المسؤولين الأفغان. وفي تجربة قريبة، أنشأت الولايات المتحدة، بعد انسحابها الكامل من العراق، مكتباً أمنياً كبيراً، ملحقاً بسفارتها في بغداد، بهدف الإشراف على المبيعات العسكرية، وتقديم مشورة للحكومة العراقية، وتزويدها بدعم فني محدود. وقد دعيت القوات الأميركية الخاصة للعودة إلى العراق للمساعدة على مكافحة الإرهاب، وتقديم دعم معلوماتي واستطلاعي. وفي سياق النقاش الدائر حول أفغانستان، أكدت الولايات المتحدة للسلطات الأفغانية بأنها لا تسعى للاحتفاظ بقواعد عسكرية دائمة، بالمعنى المتعارف عليه. وكانت الولايات المتحدة قد تمكنت، بعد شن الحرب على أفغانستان، في السابع من تشرين الأول أكتوبر 2001، من الإطاحة بالسلطة التي تقودها حركة طالبان، ولكن دون أن تنهي الحركة ذاتها. وقضت خطة الرئيس أوباما ببدء انسحاب تدريجي، اعتباراً من منتصف العام 2011 على أن يكتمل سحب القوات بحلول نهاية عام 2014. وبالنسبة للولايات المتحدة ذاتها، فقد فقدت الحرب في أفغانستان الدعم الشعبي الذي كانت تحظى به. ورأى بعض الباحثين الأميركيين أن القوة الأميركية قد حققت نجاحاً تمثل بالإطاحة بحكم طالبان، وكان يفترض أن تنتهي المهمة عند تلك النقطة ويعود الجنود للوطن. وكانت واشنطن وكابول قد بدأتا، في 15 تشرين الثاني نوفمبر 2012، مفاوضات خاصة بتوقيع اتفاقية أمنية، تسمى "اتفاقية وضع القوات"، سبق أن وقعت الولايات المتحدة اتفاقيات مماثلة لها مع كل من العراق واليابان وألمانيا وإيطاليا وكوريا الجنوبية، إلا أن مضامينها تفاوتت بين دولة وأخرى. وأقر المجلس الأعلى للقبائل الأفغانية مشروع هذه الاتفاقية، في 23 تشرين الثاني نوفمبر 2013، الأمر الذي مهد الطريق لإحالتها إلى البرلمان الأفغاني. إلا أن العائق الآن يتمثل في توقيعها من قبل الرئيس كرزاي. وتبلغ القوة الأميركية التي جرى التفاوض على بقائها في أفغانستان نحو ثمانية آلاف جندي، من أصل 47 ألف جندي أميركي يتمركزون في الوقت الحالي. وفي سياق موازٍ، وقعت الولايات المتحدة وأفغانستان، في الأول من آيار مايو 2012، اتفاقية شراكة استراتيجية، تحدد ملامح العلاقة طويلة الأمد بين البلدين. وبموجب هذه الاتفاقية، يتعهد البلدان بتعزيز التعاون الاستراتيجي في المجالات ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك "الإسراع بإرساء السلام والأمن والمصالحة، وتعزيز مؤسسات الدولة، ودعم جهود التنمية الاجتماعية والاقتصادية في أفغانستان، وتشجيع التعاون الإقليمي". وتمنح الولايات المتحدة أفغانستان، بموجب هذه الاتفاقية، صفة "حليف رئيسي من غير دول الناتو"، كما تلتزم بعد عام 2014 بالسعي للحصول على الأموال اللازمة سنوياً لتغطية مصاريف تدريب قوات الأمن الوطني الأفغانية، وتزويدها بالأسلحة والمعدات، وتقديم المشورة والدعم لها. وتدفع الولايات المتحدة أكثر من 100 مليار دولار سنوياً لتواجد القوات الأميركية في أفغانستان، بينها عشرة مليارات دولار للإنفاق على مهمة تدريب قوات الأمن الأفغانية. ويتضمن ذلك شراء المعدات وبناء المنشآت والقواعد ومراكز الشرطة. كما يتضمن توفير متطلبات الأمن داخل مواقع التدريب، إلى جانب رواتب جميع الجنود التابعين للجيش. وخارج التمويل العسكري، تبحث إدارة الرئيس أوباما، في الوقت الراهن، سبلاً لضمان مستقبل المساعدات المالية لأفغانستان، وذلك بعد أن خفض مشرعون أميركيون المساعدات التنموية لها إلى النصف. ووقع الرئيس أوباما، في 17 كانون الأول يناير الماضي، قانوناً وضعه المشرعون، يقدم مساعدات مدنية قيمتها 1.12 مليار دولار لأفغانستان للعام المالي 2014. وقال مسؤولون أميركيون إنهم يبحثون تفاصيل القانون الخاص بالمساعدات المالية، كما يدرسون ما إذا كان باستطاعتهم استخدام أموال فائضة من العام الماضي، أو من بنود أخرى من الميزانية لزيادة تمويل الدولة الأفغانية. وكانت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، التي تدير برامج التنمية والمساعدات في الخارج، بالتعاون مع وزارة الخارجية الأميركية، قد طلبت من إدارة الرئيس أوباما 1.67 مليار دولار لأفغانستان في ميزانية العام المالي 2014. وقال مسؤولون أميركيون إن إجمالي طلبات المساعدات لأفغانستان لعام 2014 بلغ 2.19 مليار دولار. ويُمكن أن يهدد خفض المساعدات الأميركية خططاً لمواصلة برامج في مجالات الصحة والتعليم والزراعة. على صعيد الآفاق الخاصة بمستقبل المصالحة الداخلية، نقلت صحيفة نيويورك تايمز، في الرابع من شباط فبراير 2014، عن مسؤولين أفغان وغربيين قولهم إن الرئيس كرزاي يجري محادثات سرية مع مسؤولي حركة طالبان، أملاً في إقناعهم بإبرام اتفاق سلام مع حكومته. ووفقاً للصحيفة، فإن المحادثات التي بدأتها طالبان لم تجن ثماراً حتى الآن لكنها قد تساعد في تفسير تصاعد خلاف كرزاي المعلن مع واشنطن. وفي كانون الثاني يناير 2014، بلغ العدد الشهري للهجمات التي يشنها المسلحون أعلى مستوياته منذ العام 2008، واستمر نفس الاتجاه في شباط فبراير. وكانت طالبان قد قطعت مباحثات تمهيدية مع واشنطن في الدوحة، في آذار مارس من العام 2012، بسبب عدم قدرة الطرفين على تلبية طلبات الطرف المقابل. وسبق أن بدأت كابول، بدعم من الولايات المتحدة والقوى الدولية، خططاً لدمج المقاتلين الأفغان، الذين قرروا إلقاء السلاح. وبدأت الحكومة الأفغانية برنامجاً لنزع السلاح والتسريح، وإعادة التأهيل، من أجل حل الميليشيات ومساعدة أعضائها على إعادة الاندماج في المجتمع. وتم توظيف بعض الميليشيات من قبل قوات الناتو، إلا أنه جرى تسريحهم في وقت لاحق، على الرغم من عدم نزع سلاحهم. وتعمل هذه المجموعات على مستو غير رسمي، بيد أن العديد من أعضائها يأمل في دمجه بالشرطة الأفغانية المحلية. وفي الوقت الراهن، يهدف برنامج (APRP) للدمج إلى إعادة إدماج المقاتلين ذوي الرتب المنخفضة، والتوفيق، في الوقت نفسه، بين كبار القادة العسكريين والحكومة، من خلال حوار سياسي. وفي مقابل نبذ العنف وقبول الدستور الأفغاني، يتلقى المقاتلون السابقون وعوداً بإعادة إدماجهم في مجتمعاتهم المحلية، والمساعدة في توفير التعليم والتدريب المهني، وتوفير قدر من الحماية والأمن. ويتم تنفيذ هذا المخطط من قبل كل من برنامج السلام وإعادة الإدماج والمجلس الأعلى للسلام. كما تدعمه المنظمات غير الحكومية من خلال تنمية القدرات، والدراسة والتحليل، وتنفيذ المشاريع. ووفقاً لمعطيات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فقد تم إدماج 6840 مقاتلاً، حتى أيار مايو 2013، في إطار هذا المخطط، الذي يعتمد ثلاثة مناهج هي: التوعية، المفاوضات، وإعادة الإدماج، التسريح، وإنعاش المجتمعات المحلية. ومن المقرر أن يستمر برنامج السلام وإعادة الإدماج حتى العام 2015. وثمة تقارير تفيد بأن العديد من الجماعات المناهضة للحكومة تعبر عن اهتمامها به. وبالعودة إلى مستقبل الخيارات الأميركية في أفغانستان، يُمكن القول، على نحو مجمل، إن هناك مهمتين أساسيتين أمام الولايات المتحدة: تتمثل الأولى في إيجاد إطار عمل إقليمي لدعم العملية السياسية القائمة، تكون مهمته تشجيع المصالحة الوطنية، ورفد مقومات التنمية الاجتماعية والاقتصادية بعيدة المدى. وتتمثل الثانية في إنجاز مهمة بناء قوات الجيش والشرطة الأفغانية، لتكون قادرة على الإمساك بزمام الوضع، وجعل الاستقرار حقيقة قائمة في أرجاء البلاد، وضمان عدم قدرة أية مجموعة مسلحة على السيطرة على السلطة بقوة السلاح. إن الدولة الأفغانية تقف اليوم في منعطف تاريخي بالغ الدقة، وعليها مقاربة قضايا المستقبل بكثير من التأمل، على نحو يضع مصلحة الإنسان الأفغاني في مقدمة حساباتها.
مشاركة :