لطالما ظلت الثقافة في أذهان كثير من الناس محصورة بين الكتاب والمعلومة والفعاليات التي يستعرض فيها المثقفون عضلاتهم اللغــــوية والشاعرية، بينما ذلك لا يعدو كونه جزءا بسيطا من مكونات هذا المصطلح الذي تمتد ظلاله لأبعد من ذلك بكثير. عالمنا العربي يغصّ بالمثقفين ومع ذلك فالنظرة العامة لشكل هذا العالم لا تسرّ والسبب في رأيي يعود بالدرجة الأولى إلى شكل ورأي ورؤية هذا المثقف ومواقفه من كل ما يحدث حوله إذ يكتفي غالبية المثقفين لدينا بالتنظير والتنظير فقط! ومن هذا المنطلق يمكنني القول بأن الثقافة التي لا تحوّل المجتمعات إلى مجموعات فعّالة ومنتجة ومتناغمة هي ثقافة لا يعوّل عليها إن لم تترجم لسلوك حضاري يقودنا لعملية إصلاح حقيقية تبدأ من الفرد وتنتهي إليه. وكم يؤسفني أن تأخذ هذه الثقافة شكلا من أشكال الترف أو وليمة يجتمع عليها عدد من الرجال والنساء يتناقشون فيما يخصهم لا ما يخص غيرهم، ولا ينتهي أسفي عند هذا الحد بل يتعاظم كلما سنحت لي الفرصة بزيارة معارض الكتب التي نجحت سلطة المال بتحويلها إلى معارض تجارية ذات طابع ربحي بحت. نحن بحاجة لإعادة قراءة هذا المصطلح من جديد والأخذ بعين وعقل وقلب الاعتبار أن نهضة الشعوب مرتبطة بوعي وقدرة أفرادها على ترجمة ثقافتهم إلى سلوكيات تجمعهم ولا تفرقهم وتدفعهم ولا تؤخرهم وتحررهم ولا تستعبدهم. ولعلّي بهذه المناسبة أختم بما قال الممثل الأديب علي الهويريني ذات شعر: انهض انهض اترك كتبك أو يحدودب ظهرك فالكتاب عناء رتيب اخرج .. أطلق بصرك.. اقرأ في قلم الله الأسمى شمس تشرق خلف الأكمة.. تدفئ نسمة.. تلثم ظهر كثيب من روث عولج في بطن البقرة.. تخرج زهرة! اقرأها إن كنت لبيب.. طيرٌ غرد والغصن رطيب يلقي حكما.. بالغة هي حكمه لعمرك أبلغ من ألف ألف ألف خطيب.
مشاركة :