يكتبها: يوسف أبولوز شيء ما مشترك بين نقد الشعر وترجمته، فدائماً يقال إن في ترجمة الشعر خيانة، ولكنها خيانة جميلة، ولابد منها، فلولا الترجمة لما وصلت إلينا تراثيات شعرية عالمية مملوءة بغنى جمالي إنساني عظيم. وكذلك في نقد الشعر ثمة ما يحيل إلى الخيانة. إنها مرة ثانية خيانة لابد منها، فأية أداة نقدية يمكنها أن تحيط كاملاً بالنص الشعري؟ الذي هو في الأصل سابق على النص النقدي الأدبي، وأي ناقد يمكنه أن يغوص كلياً إلى المعنى الكامن في (بطن الشاعر)، وليس معنى ذلك أن الناقد يبقى دائماً مهما اجتهد، يقف على ضفاف النص، فهناك أعمال نقدية قاربت تماماً المعنى والشكل واللغة والأسلوب، وهي مكونات أساسية في النص الشعري. د.إياد عبدالمجيد، في كتابه الصادر مؤخراً آليات القراءة في نقد الشعر يستند إلى أمانة ثقافية بحثية، كما يستند إلى فكر نقدي ثقافي وأدبي، لا يبتعد عن الفضاءات الجديدة في النقد، وهو منذ بداية كتابه يقرر أن النقد العربي الحديث يدور في كثير من جوانبه، إن لم يكن في جوانبه كلها في فضاء الغرب، ومازال يعيش على ما يقدمه الغرب لنا من كشوفات معرفية، يتم ضخها في مسيرة نقدنا، بمناسبة وغير مناسبة، من دون أن يتمكن هذا النقد من بلورة نظرية نقدية عربية. هذا الكلام صحيح تماماً، فالكثير من النقاد العرب (يفتح) ورشته النقدية مبكراً على مصطلحات ومفاهيم غربية، ولدت في بيئة النص الأدبي الغربي تماماً، ويتم إقحامها على النص العربي عنوة، أو يتم إقحامها على بيئة النص الشعري العربي، وهي بيئة ثقافية واجتماعية ومعرفية مختلفة كلياً عن الثقافة الغربية. مع ذلك، نتلمس أحياناً مناخاً نقدياً عربياً، بعيداً أو مستقلاً عمّا سمّاه د. عبدالمجيد (فضاء الغرب). نجد ذلك على سبيل المثال في النص النقدي عند د.عبدالله الغذامي، وعند الكثير من النقاد السعوديين بوجه خاص. رؤية د.إياد عبدالمجيد في كتابه (آليات القراءة في نقد الشعر) هي أيضاً محاولة أمينة للخروج من (فضاء الغرب النقدي). يفتتح د.عبدالمجيد كتابه ب آليات النقد الحديث في قراءة الشعر الجاهلي، ويحدد مفهوم المنهج النقدي بقوله .. تلك الطريقة التي يتبعها الناقد في قراءة العمل الإبداعي والفني قصد استكناه دلالاته وبنياته الجمالية والشكلية، ويضيف .. يعتمد المنهج النقدي على التصور النظري والتحليل النصي التطبيقي. يحدد د.عبدالمجيد، كما يقول، أربعة أنماط من القراءة، وأربعة أنواع من النصوص الأدبية، وبحسبه، جاءت على الشكل التالي: * قراءة مفتوحة، ونص مفتوح* قراءة مفتوحة، ونص مغلق *قراءة مغلقة، ونص مفتوح *قراءة مغلقة، ونص مغلق. يضيء د.عبدالمجيد على نقد الشعر الجاهلي بعد استعرض موسع لمفهوم المنهج النقدي في تجارب الكثير من النقاد العرب المعاصرين، ويرى أن كمال أبوديب، يقوم بتطبيق منهج الناقد الروسي (فلاديمير بروب) على الشعر الجاهلي، وتتلخص نظريته كما يرى د.عبدالمجيد في أربع نقاط: العناصر الثابتة في الحكاية هي وظائف الشخصيات، لا الشخصيات، والوظائف هي الأجزاء المكونة الأساسية للحكاية. وعدد الوظائف في الحكاية محدود لا يزيد على إحدى وثلاثين وظيفة. في الواقع الكتاب مكثف ومركز إن جازت العبارة، ونحن هنا في هذه القراءة نضيء على بعض الأفكار الحيوية في هذا المبحث، مع الإشارة إلى أهمية المناهج التي وضعها المؤلف فهو كما أشرنا قرأ منهج بروب، وقرأ منهج الفرنسي، كلود ليفي شتراوس، وقرأ منهج البنيوي، لوسيان غولدمان (فرنسي من أصل روماني)، ثم المنهج الأسلوبي. يستند د.عبدالمجيد إلى حوالي 35 مصدراً ومرجعاً عربياً وأجنبياً، بعضها نظريات أدبية حديثة، وبعضها نصوص من الشعر العربي القديم، كما يعود إلى دراسات مختصة في بعض المجلات العربية الثقافية العريقة، ليخلص إلى كتاب عملي ممتع، يضاف إلى ما هو نوعي في المكتبة النقدية الأدبية العربية. الكتاب: آليات القراءة في نقد الشعر المؤلف: د. إياد عبدالمجيد الناشر: دار هماليل للطباعة والنشر 2016
مشاركة :