«يربحُ الفُرسان المنتصرون أولاً، ثم يذهبون بعد ذلك إلى الحرب. أما المحاربون المهزومون فيذهبون إلى الحرب باحثين عن نصرٍ فيها». هذا ماقاله، منذ قرون، سن تسو Sun Tzu، كاتب (فن الحرب)، الاستراتيجي والجنرال الأكثر شُهرةً في تاريخ الصين. من الواضح أن قادة النظام العالمي الراهن يفتقدون معاني الفروسية، ولايقرؤون التاريخ. يبدو هذا طبيعياً في زمنٍ تتزايد فيه «خفة الوزن» في مواقع تلك القيادة.. ولكن ماذا عن المستشارين والمؤرخين ومراكز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية المنتشرة كالفطر، في أوروبا وأميركا تحديداً؟ بنظرةٍ فاحصة إلى قرارات وممارسات الأكثر تأثيراً من قادة القارتين القديمة والجديدة، يبدو الجواب بائساً ومُفارقاً لكل مقتضيات المنهج العلمي في التفكير. وبنظرةٍ أخرى إلى التاريخ، يبدو هؤلاء في مقعد القيادة لرحلةٍ بشريةٍ راهنة أكثر بؤساً، ليس من المبالغة القول بأنها تأخذ الجميع إلى صدامٍ كبير، ثمة احتمالٌ بأن يتبلور في حربٍ عالمية ثالثة. نشبت الحرب الأولى قبل مائة عامٍ وعام بالضبط من هذه الأيام. بدأت كرد فعل على عمليةٍ إرهابية! اغتال غافريلو برينسيب، طالبٌ صربي، الأرشيدوق فرانز فرديناند، ولي عهد إمبراطورية النمسا-هنغاريا. كان القاتل ينتمي لمنظمةٍ سريةٍ اسمها (اليد السوداء)، تم إنشاؤها من قبل ضباط في الجيش الصربي! لماذا يذكرنا هذا بإنشاء (داعش) من قبل ضباط عراقيين وبتعاونٍ مع نظام الأسد؟! بغض النظر. قررت حكومة النمسا-هنغاريا شن حربٍ، كانت تعتقد أنها ستكون سريعةً وقصيرة، على المملكة الصربية. لكن الأمور خرجت عن السيطرة تدريجياً، وشهدت البشرية حرباً عالميةً طاحنةً استمرت أربعة أعوام قُتل فيها أكثر من 9 ملايين إنسان (مقاتل، وليس هناك إحصاء دقيق للمدنيين الذين قُتلوا)، وجُرحَ فيها أكثر من 20 مليوناً، ينتمون لأكثر من 25 دولة في العالم!.. سُميت الحرب، وقتها، (الحرب العظمى) و (الحرب العالمية) دون كلمة (الأولى) لأن البشرية ظنت أنها تعلمت الدرس. أما الأميركان فسموها للمفارقة (الحرب الأوربية). قرر المنتصرون، بريطانيا وفرنسا وروسيا، معاقبة المهزومين بقسوة، فجاءت معاهدة فرساي التي قررت أن ألمانيا والنمسا-هنغاريا مسؤولةٌ عن الحرب، وتم فرض عقوبات اقتصادية وعسكرية شديدة عليها، إضافةً إلى تفكيك أراضيها والحُكم عليها بالعُزلة والحصار. حصلَ هذا عام 1918م، ولم تمض عشرون عاماً إلا وكانت الحرب العالمية الثانية قد اشتعلت. لماذا اشتعلت الحرب هذه المرة؟ تقرأ في موسوعة التاريخ البريطاني للأطفال السؤال، وتقرأ بعده جواباً (مُختزَلاً) يحصره في ظهور هتلر والنازية. لايتحدث الجواب عن الملابسات المُعقدة التي خلقتها معاهدة فرساي، وأدت إلى صعود هتلر الصاروخي إلى السلطة. لهذا، تقفز التحليلات على الخطر الذي يُشكِّلهُ التعامل مع أي ظاهرةٍ بشرية من خلال وسائل الحصار والعنف والعَزل و(إعلان الحرب) وماإليها، دون النظر في جذور الظاهرة وأسبابها العميقة. كما يحصلُ تماماً هذه الأيام مع ظاهرة (الإرهاب) الذي لايمكن تبريره ولا التعاطف معه بأي شكلٍ من الأشكال. دون أن يتضاربَ هذا مع ضرورة إدانة كل أشكاله وأصحابه، ولا محاولة فهم أسبابه الأساسية والتعامل معها لمعالجتها . وفي إطار قراءة التاريخ، يتم التغافل عن دور الحرب الأهلية الإسبانية، التي اشتعلت عام 1936م، في تحضير أجواء الحرب العالمية الثانية. ولاينتبه الكثيرون أن تلك الحرب كانت، عملياً، صراعاً إقليمياً ودولياً على النفوذ، ساهمَ في اشتعال الحرب العالمية. والأهم، يجري الحديثُ اليوم عن الوضع في سوريا كأول حربٍ أهلية يوجد فيها مقاتلون خارجيون، ولاتُذكر حقيقة أن أكثر من 32 ألف (متطوع) من أكثر من 55 دولة كانوا مشاركين في الحرب الأهلية الأسبانية! أصبح ونستون تشرشل رئيساً لحكومة بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية. لكن فهم موقفه من الحرب قد يكون أسهل من رسالةٍ لصديق يقول فيها: «أعتقد أن لعنةً يجب أن تُصيبني، لأنني في حالة حبٍ مع الحرب. أنا أعلمُ أنها تمزق حياة الآلاف كل دقيقة. رغم هذا، لاأستطيع التعامل مع حقيقة أنني أستمتعُ بكل ثانيةٍ فيها». بهذه الطريقة في التفكير، وفي غياب قراءة التاريخ وأخلاق الفروسية لدى قادةٍ يتحكمون بمصير العالم اليوم، لن يكون السؤال: «هل نرى حرباً عالميةً ثالثة؟»، بل «متى ستحصل؟». waelmerza@hotmail.com
مشاركة :