نافذة / ثورة التكنولوجيا... إلى أين - ثقافة

  • 8/16/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أثناء عملي كباحثة قابلت العديد من الأشخاص بمختلف أشكالهم وأحوالهم وباختلاف مستواهم الثقافي والعلمي، وفي احدى المرات استوقفني رأي سيدة متقاعدة عملت في المجال التربوي وناقشنا معاً موضوعاً أهم من موضوع الدراسة الذي كان يتوجب علي إنهاؤه. انها التكنولوجيا... بثورتها الجامحة التي ما باتت مجرد إلكترونيات وبرامج يستفاد منها في أشكالها العديدة والتي تدخلت رغماً عنا لتجرفنا في تيارها الشديد، ولكنها تخطت ذلك بكثير ورجحت كف التضرر عن كف الاستفادة منها لتبتلع عقول جيل كامل، جيل جديد تبنى عليه آمال أمة عربية. لقد أصبحت هذه (الهبة) التكنولوجية أقوى أداة في عصرنا الحالي لتشتيت انتباهنا عن الاهتمام بلغتنا العربية و القراءة و المطالعة وزيادة المعرفة والعلم، والثقافة بحضارتنا العريقة. وضمن الحوار الذي دار بيني وبين السيدة قالت لي وهي تشكي حال أحفادها كما تشكي حال جيل كامل بانصرافه عن القراءة بشكل كلي وتام وإلهاءه بكل ماهو جديد في التقنيات، فقالت: «التكنولوجيا الى أين تريد ان تأخذنا بعد أن سرقت أدمغة و عقول جيل بأسره، الأولاد ما قاموا يقرأون بس كله عالأيباد»! انها صادقة بما قالت فما مصيرنا اذا استمر منوال الأجيال المقبلة على هذا الحال من قطيعة القراءة. وانشغاله بما يتلف العقول التي من واجبها ان تصنع حضارات و تبني اوطانا، ليس ذلك فحسب ولكنها راحت تأخذ أشكالا أخرى من الأذية تتمثل في قلة التواصل الاجتماعي بين أفراد المجتمع، بل بين أفراد الأسرة الواحدة رغم ان احد اشكالها المطورة سمي (بمواقع التواصل الاجتماعي ) ولكن ليس لها من اسمها نصيب، لأنها وبقصد او من دون قصد تقرب البعيد و تبعد القريب فكم رأينا في بيوتنا أسرة صامتة لساعات لأن كل أفرادها مسيطر عليهم (الموبايل) ذاك الجهاز الصغير الذي تشكل أحجامنا و أوزاننا أضعافا مضاعفة بالنسبة لحجمه ووزنه ورغم ذلك بمقدوره ان يتحكم بِنَا كما يشاء صناعه، وكم تكرر مشهد أولاد مجتمعنا وهم جالسون ومعهم الشاشات اللوحية (الأيباد) مليئة بالالعاب الالكترونية يتخذونها كأداة لهوٍ بدلا من القيام بحركة بدنية تنشط اجسامهم وتقيهم من السمنة والوزن الزائد، وغيرها من الأمراض النفسية التي قد يتعرض لها الطفل جراء انفصاله عن العالم الخارجي واندماجه بعالم افتراضي تؤدي متاهاته الى طرق قد تكون غير مرضية النتائج، هذا كله ولم ندخل بعد بالسلبيات العميقة التي طالت أعراض ناس بسبب ان أشخاصا عابثين قاموا بسرقة صور فتيات وانتحال شخصيات والإساءة المتعمدة والتشهير بمن كانوا ضحايا (التكنولوجيا) وثورتها المستبدة، والتجسس بأسماء وأرقام الناس لان صفة من صفات هذا التطور هو الانفتاح وجعل العالم قرية أصغر مما كنّا نتوقع!، فهي تتيح فرصة التطفل وسهولة الاستطلاع وكشف بيانات شخصية لأي شخص هو محط استهداف من قبل خصمه. ولكن... رغم كل هذا وذاك لم ولن نُنكر افضال التكنولوجيا علينا بتقنياتها الوفيرة في ما قدمته من خدمات وتسهيلات وانجازات للإنسانية في مجالات عدة، ومن الواجب ان نعترف ان التخلي عنها بشكل كلي يرجعنا الى ظلمات التخلف وعدم الدراية بها يجعل بين من يجهلها وبين أبناء الزمن الحالي فجوة كبيرة لا يمكن ردمها الا بمواكبة ما هو جديد منها، ولكن ان نمسك العصى من نصفه هو الحل الأفضل لنكون حلقة وصل بين امجاد الماضي وثقافاتنا التي يجب ان تبقى وتدرس لأبنائنا، وبين الحاضر ومعاصرة المستجدات التقنية وعلوم البرمجيات الجديدة ، والأولى تتمثل في القراءة لرد اعتبار لغتنا العربية من جهة والمطالعة والغوص في المعلومات العلمية والروايات الأدبية والوثائق التاريخية من جهة اخرى. فكيف لنا ان نتناسى اول كلمة نزلت في القران الكريم ألا وهي (إقرأ) في قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] حيث ان هذه الكلمة رسالة من الله سبحانه وتعالى لنا، لما للقراءة أهمية بالغة في توسيع المدارك وإثراء العقول وصناعة الأدباء والعلماء وهذا يجعلنا منتجين وليس فقط مستهلكين لما ينتجه لنا غيرنا، لذلك وجب علينا تنويه ابنائنا بالأنشطة الثقافية المنوعة التي من شأنها تطوير شخصياتهم و كسبهم مهارات ومعارف وعلوم؛ و ابعادهم عن الأجهزة التكنولوجية قدر المستطاع... لأنه يقع على عاتقنا وبشكل كبير تربيتهم بما يليق بعروبتنا.

مشاركة :