أشارت بعض الصحف إلى أن وزارة التربية تمتلك توجها لإدراج برامج توعوية لمحاربة الفساد في المناهج التعليمية، كما كنا قد قرأنا في السابق أن الوزارة تمتلك نفس التوجه حول إدراج فكرة الحوار بشقيه الوطني والعالمي في المناهج الدراسية. ولا نعلم هل هذا التوجه يمثل أحد معالم سياسة تطوير التعليم، أم أنها محض توصيات تختم بها المؤتمرات لتحتشد لاحقا بها الأدراج؟ أو لربما هي لزمة بتنا نسمعها تتردد في توصيات المؤتمرات ككليشة موظف مطيع لرئيسه يذيل بها أوراقه فقط لرفع العتب؟ حتى إذا وصلت تلك التوصيات لعتبة المناهج زمجر وزأر في وجهها السدنة.. فارتدت على عقبيها مخذولة خائبة؟ محاربة الفساد، والحوار الوطني هما من أبرز ملامح مرحلة الإصلاح ويلخصان الرؤية السياسية العليا لمستقبل الوطن، والتي بدورها تحتاج إلى آلية تنفيذية حساسة وذكية وقادرة على أن تتلمس المواقع التي تفعّل من خلالها تلك الرؤية، لأن تأسيس أرضية شعبية متقبلة ومنسجمة مع تلك الرؤية تسهم بشكل كبير في تفعيلها وإنضاجها وتحويلها (عبر تطبيقات متعددة) إلى حقيقة معاشة. فاقتراح إدراج الحوار طرح قبل ما يقارب من خمس سنوات، وإلى الآن المناهج ما برحت شبه خالية منه. فتتبدى هنا المفارقة الصعبة أن يكون لدينا مركز عالمي لحوار الأديان كواجهة عالمية، بينما يختطف جزءا كبيرا من منهجنا التعليمي خطاب متعصب متمذهب منغلق عن الآخرين، وتبدو فكرة التعايش والتسامح، واحترام المعتقد شبه غائبة عن تلك المناهج، مقابل التكفير والتبديع والتفسيق. وآية (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين ومن آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) لا يلتفت إليها، ولا تتطرق المناهج لها ولا توظفها في السياق الذي يخدم فكرة الحوار العالمي بين الديانات. المناهج الدراسية هي الوعاء المعرفي الأول ولو تقصينا أحوال مخرجات التعليم العام بعد ما يربو على النصف قرن من التعليم النظامي، سنكتشف مالا يسرنا فالجامعات تستقبل طلبة التعليم بسنوات تحضيرية لضعف المخرجات، بينما تغيب عن خريجي التعليم العام التلقيني مهارات التفكير النقدية والإبداعية، فينساقون إلى أقطار الأرض فور أن يصيح بهم ناعق أو ناهق، وفي النهاية هم يفتقدون المعارف والمهارات الأولية التي تتطلبها المنافسة في سوق العمل (كالحاسب واللغات). هذه هي البنية التحتية للتعليم لدينا مطوقة بممنوعاتها وبواباتها المصمتة، خاضعة لخطاب مؤدلج عاجز عن الاستجابة لأبرز خطط مرحلة الإصلاح. وليس هذا فقط بل بوابتها مغلقة تماما دون العالم الخارجي، فعلى حين أننا نعرف العالم الخارجي كمنتج استهلاكي فقط، فإن المناهج عاجزة عن أن تمرر للطلاب نظرة بانورامية عن حضارات الشعوب وتراثها وفنونها وآدابها بكل ما تتضمنه من ثراء وسمو ومشترك إنساني، ولعل هذا ما كرس لدينا تلك النظرة الدونية القاصرة ضد الأجانب والغرباء بشكل بدائي ومتخلف. أيضا أين الفنون والآداب في تلك المناهج؟ يخرجون من مدارس التعليم العام وهم يعانون شبه أميه فنية مع عجز عن تذوق الفنون والآداب والاستمتاع بمخزونها الفكري والفلسفي؛ لأن الذائقة الجمالية كالعضلة إذا لم تدربها ولم تتعهدها بالتطوير وتوسيع الأفق نضبت. ما برحت المناهج في المرحلة النفعية البدائية، ولم ترتق بالطلاب إلى مستوى الذائقة الجمالية، لامبالاة بالمسرح (أبو الفنون) وغياب تام لتعليم الموسيقى رغم أن تعليم العزف على الآلات الموسيقية يطور القدرة على فهم المعادلات الرياضية بصورة كبيرة (أثبتت علميا). هل استجابت مناهجنا لمتطلبات مرحلة الإصلاح؟ ما برحنا نأمل من وزير التربية والتعليم المبدع الشاعر أن يتحسس المتطلبات الميدانية في قطاع المناهج بصورة مباشرة.. المناهج التعليمية لا تحتاج فقط لمناهج للتوعية بمخاطر الفساد وأهمية الحوار الوطني، بل تصبو أيضا إلى أن تخمد أصوات الزمجرة والعويل والتبغيض في العالم حولنا والحط من شأن شعوب الأرض، وتستبدل بأصوات العلوم والفلسفة والفنون والآداب العالمية..
مشاركة :