انعتق من عنق الزجاجة قانون تجريم العنف الأسري وأقر من مجلس الوزراء في 26 أغسطس الماضي وأصبح جزءاً من القوانين والتشريعات المحلية. هذا الأمر كبداية خطوة تاريخية استجابت لمطالب الميدان والمتضررين، ولبت إلحاح من ينتسبون إلى دوائر العمل الاجتماعي والأمني ويباشرون بصورة لصيقة حوادث عنف ميداني تحتم تدخل جهات مستقلة لمنعها. لكن أعتقد بأن هذه الخطوة على أهميتها هي فقط خطوة أولى لرحلة الألف ميل لاسيما أننا نجد أن الكثير من ممارسات العنف تستر تحت مبررات ثقافية ومسوغات وأعراف اجتماعية تحدد مواقع الأفراد التراتبية داخل الأسرة، وبالتالي تطلق يد ولسان البعض (بالتأديب أو الردع) الذي يتم في غالب الأحيان بشكل منفلت يغلب على البطش والتسلط.... فيفضي إلى نتائج مأساوية. قانون العنف الأسري تتربص به نفسه ثلاث دوائر من العنف...وهي دوائر مغلقة بقفل الإرث الثقافي. الدائرة الأولى يقبع داخلها قوم (قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ) وهم الصنميون الذي لديهم نزوع فطري طبيعي نحو رفض التغيير مع الحذر والاسترابة من كل طاريء، مع حرصهم على أن تظل مواقع السلطة محافظة على تراتبيتها لأن أي مساس بها من الممكن أن يهدد نفوذهم، وعلاقات البطش التي تقوم على العنف الجسدي واللفظي ضد الصغار والنساء النواشز والخدم هي جزء من مكونهم الفكري والثقافي حتى لو أفضى الأمر إلى ضرر وانتهاكات. فئة العاكفين على الأصنام موجودة منذ خلق البشرية وعلى الغالب يقوم الزمان بحل مشكلتهم. دائرة العنف الثانية مغلقة على وقار البيوت وحشمتها وحذرها من الأعين المتلصصة، لذا كثيرا مايمضي المعنف عمره وهو لا يعلم بأنه واقع تحت حالة عنف تمتهن كرامته الإنسانية!!بالإضافة إلى أن المعنف على المستوى النفسي يصاب بحالة من الإنكار بحيث يتجاهل أنه واقع تحت فعل عنف، لاسيما العنف الجسدي ضد الصغار بدعوى التأديب أو العنف اللفظي الموجه ضد النساء....(بعض النساء حينما يناديها زوجها يابقرة أو ...يادبة) قد تصنفه أنه تمليح وتدليل!! والإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1993 عرف الأذى الموجه للمرأة بأنه (هو أي فعل عنيف تدفع إليه عصبية النوع ويترتب عليه أذى أو معاناة للمرأة من الناحية الجسمية أو النفسية أو الجنسية بما في ذلك التهديد بأفعال من هذا القبيل). والمؤسف في الأمر أن المرأة في حال التحرش أوالاعتداء سواء في مجال العمل أو السوق على الغالب تحاول أن تخفي هذا الموضوع وتتكتم عليه تماما، لأنها تعلم في أعماقها أن هناك من سيجرمها هي نفسها لأنها خرجت للفضاء المدني العام واخترقت مجالاً كانت تحت سيطرة ذكورية لدهور طويلة (وأعتقد أن هذه النقطة تستحق مقالاً مستقلاً). الدائرة الأخيرة هي البيروقراطية الإدارية التي من الممكن أن تعطل تفعيل القانون الذي لم يعرض تفصيلاً لآليات تنفيذ تضمن التحقيقات السريعة في مزاعم الإساءات أو لمقاضاة من يرتكبون هذه الإساءات. ولا يقدم لائحة تنفيذية دقيقة للقانون توضح المسؤوليات المترتبة على الأجهزة الحكومية المختلفة والتنسيق بين بعضها البعض لإنفاذه. احتفى المجتمع الحقوقي بنظام تجريم العنف الإسري.... وأعتقد أنه مابرح خطوة أولى في رحلة ألف ميل...
مشاركة :