نُشرت دراسة هذا العام في مجلة إدارة الأعمال الدولية International Journal of Business Administration ، وجدت الدراسة أن ما يقرأه الطلبة في الجامعة يؤثر بصورة مباشرة على قدرتهم على الكتابة. في الواقع وجدت الدراسة أن محتوى المواد التي يقرأونها والكم الذي يقرأونه يؤثر بصورة كبيرة على قدرتهم على الكتابة، حتى أنه ذو تاثير أكبر من ممارسة الكتابة بشكل مستمر. الطلبة الذين يقرأون المقالات العلمية والمجلات الأكاديمية والروايات الأدبية أو الكتب الغير روائية بصفة عامة يصبح لديهم القدرة على كتابة جمل أدبية معقدة بطريقة صحيحة نحوياً أفضل من أولئك الذين يقرأون الروايات العادية مثل روايات الخيال العلمي أو الفانتازيا وغيرها أو يقراون المقالات حصراً من مواقع الشبكة مثل ريدت Reddit أو تمبلر Tumblr أو بازفييد BuzzFeed . عموماً، الذين يقرأون المقالات العلمية ويتابعون المجلات الأكاديمية يمتلكون مهارات أعلى بكثير من أولئك الذين يعتمدون على المواقع العادية على الإنترنت في قرائتهم. الفرق بين القراءة السطحية والقراءة العميقة وضح أحد الأبحاث مؤخراً الفرق بين القراءة العميقة التي تتميز بالبطء والانغماس في التفاصيل والتركيز الشديد بكل الحواس وإدراك كل المشاعر والقيم والتعقيدات الاخلاقية المرتبطة بما تقرأه، وبين القراءة السطحية التي لا تتعدى مجرد فك شفرات الحروف وفهم المغزى العام من الكلام. القراءة العميقة غالباً ما تكون مرتبطة بالنصوص المليئة بالتفاصيل والإشارات والاستعارات والتشبيهات، تلك التي تستحث المخيلة وكأن القارئ موجود في قلب الحدث. تعد القراءة العميقة تدريب جيد للعقل والمخيلة، كما أنها تزيد من تعاطف الفرد، حيث يغوص القارئ عميقاً مع انعكاساته الشخصية وتحليلاته لما يقرأ وفهمه لمضمون الكلام الذي يقرأه. كما تعطي القارئ الفرصة لإدراك قيمة المجهود والمهارات التي وضعت لكتابة مادة رائعة كالتي يقرأها فتحثه على تحسين مستواه في الكتابة بصورة أعمق. القراءة السطحية تماثل ما يقرأه المرء في مدونة إلكترونية أو عناوين الأخبار أو موقع إخباري ترفيهي وخاصة أولئك الذين يعتمدون على تصفح العناوين في آخر الأخبار سريعاً أو تلك الكتابات التي تستخدم الرموز التعبيرية emojis وخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي. تلك الكتابات السطحية التي تفتقد لصوت كاتبها، لوجهة النظر الأصلية، كما تفتقد للنظرة التحليلية التي قد تستحث التفكير. سطحية لدرجة أنك تمر عليها سريعاً وغالباً ستنساها خلال دقائق. القراءة العميقة تُزامن Synchronizes عقلك القراءة العميقة تنشط مراكز الدماغ المسئولة عن التحدث والرؤية والسمع، تلك المناطق التي تعمل معاً لتساعدنا على إلقاء الخطب والقراءة والكتابة. القراءة والكتابة ترتبط بجزء في المخ يسمى منطقة بروكا Brocas area ، والتي تمكننا من إدراك ترابط الجمل والكلمات ببعضها لغوياً ونحوياً، كما ترتبط بمنطقة فيرنيك Wernickes area ، والتي تمكننا من إدراك معاني الكلمات، وأيضا بالتلفيف الزاوي angular gyrus ، والذي يعتبر المنطقة المركزية في المخ المسئولة عن إدراكنا واستخدامنا للغات. تلك المناطق متصلة بعضها ببعض وهذا الاتصال يساعد الكُتَّاب على المحاكاة والمزامنة اللغوية أثناء قرائتهم لما يقرأون. عقلك القارئ يشعر بالإيقاع الذي تم استخدامه لكتابة ما تقرأه، ثم يسعى عقلك بعد ذلك لمحاكاة ذلك الإيقاع أثناء الكتابة. وسأذكر هنا طريقتان لتساعدانك على القراءة بعمق، لتحفيز عقلك على الكتابة بصورة أفضل: 1.قراءة الشعر في مقال نشر بمجلة الدراسات الإدراكية Journal of Consciousness Studies ، قال باحثون أنهم وجدوا أن الدوائر العصبية المسئولة عن القراءة في الدماغ يتم تنشيطها بأي مادة مكتوبة. إضافة إلى أن الكتابات المشحونة عاطفياً يمكنها ان تثير مناطق عدة في المخ، وخاصة في الجزء الأيمن، مثل تلك المناطق المسئولة عن الاستجابة للموسيقى والمؤثرات السمعية. في مقارنة محددة بين قراءة الشِعر والنثر، وجد الباحثون دليل على أن الشِعر يحفز القشرة الحزامية الخلفية posterior cingulate cortex والفص الصدغي الأوسط medial temporal lobes، تلك المناطق المرتبطة بالاستبطان introspection . (الاستبطان هو فهم وإدراك الشخص لأفكاره وعواطفه الداخلية) عندما قرأ المتطوعون قصائدهم المفضلة، حدثت استثارة لمناطق الدماغ المسئولة عن الذاكرة أكثر من المناطق المسئولة عن القراءة، مما يعني أن قراءة القصائد التي تحب هي نوع من الذكريات التي تستثير المشاعر بقوة، والمشاعر القوية دائما ما تكون محرك قوي للكتابة الإبداعية. 2.قراءة الروايات الأدبية فهم الحالة العقلية للآخرين هو مهارة حاسمة تساعد على بناء العلاقات الاجتماعية المعقدة التي تتميز بها المجتمعات الإنسانية، وهذا هو ما يجعل الكاتب ذو مهارة عالية في ابتكار الشخصيات والمواقف المعقدة والمتداخلة. لم يتم إجراء أبحاث كثيرة على نظرية العقل Theory of Mind والتي تتبنى تلك المهارة (تنص تلك النظرية على أنه لدينا القدرة على إدراك أن عقولنا مختلفة عن عقول الآخرين ولذا فإن مشاعرنا مختلفة عن مشاعرهم). لكن بعض الدراسات الحديثة قد أثبتت أن قراءة الروايات الأدبية مقارنةً بقراءة الروايات العادية أو القراءات السطحية أو عدم القراءة أساساً قد أدت إلى نتائج أفضل في اختبارات نظرية العقل العاطفية (فهم عواطف الآخرين) وكذلك في اختبارات نظرية العقل الإدراكية (فهم طريقة تفكير الآخرين وإدراكهم لذاتهم) بالتحديد، تلك النتائج تبين أن القراءات الأدبية العميقة تعطي نتائج أفضل في اختبارات نظرية العقل، وبصفة عامة فإن اختبارات نظرية العقل تعطي نتائج أفضل عند التفاعل مع أعمال فنية حقيقية. بكلمات أخرى، الروايات الأدبية تحفز التفكير والتأمل كما تحفز عمليات التوسع والتكامل العقلي، كما تحفز أيضاً العمليات الإدراكية إلى مدى أبعد من مجرد الوظائف المرتبطة بالقراءة العادية، تلك القراءات العادية مثل قراءة مجلة سطحية أو قراءة الأخبار اليومية أو تقارير إخبارية عامة. بدلاً من مشاهدة التلفاز عليك بالتركيز على القراءة العميقة الوقت الذي تقضيه في مشاهدة التلفاز غالباً ما يكون وقت ضائع لأن قدرات دماغك الإدراكية تهبط بشدة فور بدئك مشاهدة التلفاز، ولا يهم مهما حاولت التركيز بشدة ورفع قدرتك الإدراكية. وقراءة المجلات السطحية أو الأخبار اليومية قد تكون ممتعة لكنها لا تحفز دماغك أبداً. لو كنت جاداً في رغبتك لتصبح كاتب جيد فاقض كثيراً من الوقت في القراءة بعمق في الكتب والروايات الأدبية والشعر والمقالات المتخصصة في العلوم أو الفنون، تلك القراءات التي تنمي من حصيلتك اللغوية وتزيدها تعقيداً والتي تتطلب من دماغك اللطيف أن يفكر بعمق. مترجم عن من كتاب للكاتبة
مشاركة :