صدقني عزيزي القارئ يا من تشكو الزحام وسرقة اللئام إذا كنت تجلس مكاني الآن فسوف تبدو لك محطة البنزين واضحة وضوح الشمس في كبد السماء وهي مليئة بالسيارات التي يقودها كويتيون قد بدا على وجوههم القلق متكدسين فوق بعضهم البعض من أجل توفير 4 دنانير قبل رفع الدعم بيوم واحد، مما سيجعلك تردد لا إرادياً (ماذا حدث للكويتيين؟)، ثم سرعان ما تكتشف أنك منهم لترفع بصرك للسماء قائلاً: «رحم الله الأمس، والله يعينا على باجر..الكويت وين رايحة؟». أنا عن نفسي لا أعلم الكويت (وين رايحة) فهي لا تحب من يسألها، وأصبحت تبدي وجه العبوس لكل من يحاول أن يقنعها أنها لم تعد كعهدها السابق. ولكني أعلم أننا في الأيام المقبلة سنترحم على الكثير من الأيام الخوالي. وأعلم أيضاً أننا أثناء الغزو كنا كل الكويتيين (نحن) وكان من غزانا (هم).. واليوم أصبحنا في داخلنا (نحن.. وهم)، وفي داخل كل (نحن) وفي داخل كل (هم) هناك (نحن.. وهم)، وهذا يعني يا سادة أننا قد أصبحنا فريقين، فريقاً مرفوعاً عنه الدعم، وفريقاً مرفوعاً عنه القلم. وأعلم أيضاً أن الشعب قد صب جام غضبه بالأمس على الحكومة ومجلس الأمة من خلال «تويتر» و«أنستغرام» وكأنهم هم وحدهم أسباب خراب مالطا، وأنا لا أنكر أنهم أحد الأسباب ولكن هناك أسباباً أخرى لا تقل أهمية عن تردي الأوضاع مثل مُلاك العقارات الذين رفعوا الإيجارات على الشعب رغم أن الملاك من الشعب أيضاً وليسوا من الحكومة أو المجلس، ورغم ذلك فقد أوصلونا لهذه المرحلة من التكدس على بنزين مدعوم لنوفر 4 دنانير، حيث إن ملاك العقار نصيبهم من رواتبنا تعدى الثلثين أحياناً، وكذلك الجمعيات المدنية التي يرأسها أناس أيضاً من الشعب والتي لم تقم بدورها في الأحداث الأخيرة رغم أنهم يحصلون على ميزانية سنوية من أموال الشعب ليدافعوا عن مصالح الشعب من خلال كونهم حلقة وسطى بينهم وبين الحكومة، وكذلك أولئك الذين أقنعونا أن هذه الحكومة لا تمشي إلا بالعين الحمراء وأن الحل معها هو النزول للشارع لنكتشف أنهم أول من نزل من الجبل لجمع الغنائم! تاركين وراءهم شباباً في السجون وقليلاً من المهاجرين وشعباً أصبح يخاف على نفسه وعلى مستقبله. وأولئك الذين تسببوا في الأزمة الرياضية بحيث جعلوا أبناءنا يشاهدون علماً بديلاً لبلادهم رغم أنها لم تسقط، والصحف والمقابلات التلفزيونية التي بثت الرعب والقلق في قلوب المواطنين من خلال تصاريح ودراسات تهدد بأن القادم من الأيام أسود من أسفلت الشوارع، رغم أن أزمتنا هذه تمر بها جميع الدول الخليجية، إلا أننا لم نشاهد (ردحاً) إلا هنا. وهناك أيضا عدد من النُخب الثقافية التي تبدي اهتماماً وذعراً من ثقب الأوزون الذي في السماء ولا يتحرك لهم جفن من ثقب البنطلون الذي في الأرض بسبب غلاء الأسعار، وهو ثقب أحدثته ترضيات لفئة على حساب فئة أخرى، ولي صديق اتسع ثقبه حتى أصبح أكبر من بوابة مجلس الأمة، ولكن أحد مدربي التنمية البشرية نصحه قائلا (بدلاً من أن تسد الثقب أدخل منه.. فهو بوابتك للنجاح). إن ما حدث في محطات البنزين في الكويت أكبر من مجرد زحام سيارات لأناس اعتقدوا أنهم بذلك يوفرون قدراً من المال، وأنهم بذلك يتحايلون على رفع الدعم.. إن ما حدث هو صرخة صامتة تبين مدى الرعب والقلق النفسي الذي بثته الحكومة والمجلس وجميع الأدوات الإعلامية إضافة إلى جميع (أولئك) المذكورين أعلاه حيث اتفق الجميع أن يراعي مصالحه الخاصة ضاربين بالشعب نفسه عرض المحطة. فاليوم محطة بنزين، وغداً أفرع التموين، فاصبر وصابر ورابط أيها الشعب العظيم.. إنها ليست المرة الأولى. كاتب كويتي moh1alatwan@
مشاركة :