«فائية» ابن الفارض

  • 10/4/2016
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

نجاة الفارس هو سلطان العاشقين والشاعر الصوفي، أبو حفص عمر بن علي الحموي أصلاً والمصري مولداً، وقد عاش في العصر الأيوبي بأحداثه، وشاهد أطرافاً من القرنين السادس والسابع الهجريين، حيث الكفاح ضد الغزو الصليبي للعالم الإسلامي، وعاصر النهضة الصوفية الكبرى، وأعلام التصوف الإسلامي الذين حفل بهم عصره. قدم والده من حماة، وعاش في مصر ونشأ ابنه عمر، في كنف أبيه في عفاف وصيانة وعبادة، ودرس الفقه الشافعي والحديث، ثم حبب إليه الخلاء، وسلوك طريق الصوفية، فزهد وتجرد في ناحية سفح جبل المقطم. وسافر ابن الفارض إلى مكة فأقام فيها خمسة عشر عاماً، ثم عاد إلى مصر، ولكنه سافر مرة أخرى للحج، ثم عاد، ويذكر أن ابن الفارض اتصل بالسهروردي البغدادي، ومحيي الدين بن عربي. توفي ابن الفارض عام 632 للهجرة ودفن في سفح المقطم، تاركاً إرثاً أدبياً غنياً يعكس تجربته الشعرية التي زخرت في التعبير عن مواجده وعواطفه وعشقه إلى الرمز، وتتجلى تجربته في قصيدة الفائية التي انتظمت في عشقه الإلهي الممتزج بالحب الإنساني حتى يكادا أن يكونا شيئاً واحداً في بعض المواقف. يقول في مطلع القصيدة: قلبي يحدثني بأنك متلفي روحي فداك عرفت أم لم تعرف لم أقض حق هواك إن كنت الذي لم أقض فيه أسى، ومثلي من يفي مالي سوى روحي، وباذل نفسه في حب من يهواه، ليس بمسرف ويقوم بناء هذه القصيدة على وحدة الموضوع الذي بسطه فيها وهو الحب الإلهي المختلط بالحب الإنساني، في واحد وخمسين بيتا، تحت قافية الفاء المتحركة التي أفسحت المجال لعواطفه ومواجده أن تنطلق من عقالها من خلال الرموز التي قد يلتبس على المرء إدراكها أحيانا. وجرت دفقات الحب هنا في إطار البحر الكامل المتلاحق الحركات والجرس وهو بتلاحقه يجنح بقائله إلى الرقص الذي يجسد حلقات الذكر الصوفية، فاستوعب بدقة وشمول دفقات قلب الشاعر ومواجده. وحفلت القصيدة بالمحسنات البديعية الكثيرة، التي أضفت عليها لغته الجزلة الموسيقية موقعا لا تكلف فيه، وقد نهج ابن الفارض نهج القدماء في شعره من حيث الشكل، إلا أن موضوعه اختلف بما غلب عليه من تصوف، ألبس أثواباً من المعاني التقليدية في الغزل والنسيب والوصف وما شابهها وما تردد فيها من المعاني الصوفية كالوجد والعشق الإلهي. وقد عبر عن حبه ووجده في صور شتى من التعبيرات التي استعارها من شعراء الحب العذري، حتى لقب بسلطان العاشقين وله في القصيدة طابعه الخاص، حيث التزم لونا معينا هو الوجد الروحي، والتصوف على طريقة وحدة الشهود، ونظم تجاربه في شعر رقيق غامر بالعاطفة فيحس القارئ لشعره بالتكامل بين بنائه الشعري ومعانيه، تكاملاً يرقى به في ميدان التصوف إلى شعراء الصوفية الكبار أمثال جلال الدين الرومي، وفي ميدان الشعر الوجداني إلى مراتب العاشقين أمثال مجنون ليلى وجميل بثينة والعباس بن الأحنف والشريف الرضي، وفي نصوع البيان وتحكمه في الصنعة درجة البحتري والمتنبي. ونهج ابن الفارض في لغته نهج القدماء من حيث الجزالة اللفظية، التي تتميز بالرشاقة والسلاسة والرقة، بما حملت من مضامين غزلية، تبدو في ظاهرها غزلا حسيا، بينما شفت منها عن ذلك الحب الإلهي الذي كان كثيراً ما يمتزج بحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتكاد فائيته هذه تعد معجم غزل، وقد استوعب هذا المعجم الحب كله بألوانه وصوره وأغراضه التي انتظمها طوق الحمامة لابن حزم وترددت في الفائية ألفاظ كثيرة، ومنها القلب، والنفس والروح والحب والهوى والود والعشق والشغف والوصال والصبابة والحسن والملاحة ووحدة الشهود. فائية ابن الفارض قصيدة من عيون الشعر العربي، جديرة بأن نقرأها ونتلذذ بمعانيها وصورها، وعاطفتها الجميلة. najatfares2@gmail.com

مشاركة :