كي نحقق الرضا للمواطن - د. محمد الكثيري

  • 3/6/2014
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

هل مسؤولية الحكومة، كما يتداول العموم، ملاحقة الأخطاء، ومطاردة النواقص لإصلاحها، أم هي العمل على عدم وقوع تلك الإخفاقات من الأصل، وبناء نظام إداري في مفهومه الضيق، وتنموي في معناه الواسع لرسم مسارات البلد وتوجهاته بما يحقق الأهداف العامة التي تدفع بالبلد للنجاح والتقدم وتحقق للمواطن الرضا والارتياح؟ الإجابة قطعاً هي الثانية وليست الأولى، فدور الأجهزة الحكومية، بعد توفر القدرة والمعرفة، يتمثل في إيجاد البرامج والخطط والمشروعات المستقبلية التي لا تقتصر على ما يفرضه الحاضر فقط، وإنما على توقعات وتنبؤات واحتياج ذلك المستقبل. للأسف الشديد أن ما يحصل لدينا خلاف ذلك، فأجهزتنا الحكومية والقائمون عليها مشغولون بمحاصرة المشاكل ومطاردتها بهدف إصلاحها أو الحد منها أو، على الأقل، إنكارها لكي يرضي كل مسؤول رئيسه، حتى لو غضب بسبب ذلك المواطن وصودر حقه. وللأسف الأشد، بعد الشديد، أن هذا الأمر ليس جديداً، ولكنه ازداد، ويزداد، في السنوات الأخيرة، في وقت كان يجب فيه أن يتم خلاف ذلك عطفاً على مسيرتنا وتجربتنا التنموية التي تمتد لأكثر من أربعين عاماً، والتجارب الناجحة والمحيطة بنا من كل جانب التي أثبت أصحابها أن أسلوب الفعل وردة الفعل لم يعد أسلوباً، بل لم يحصل أن كان، لمعالجة القضايا وإدارة البلاد وتحقيق مصالح الناس. الشيء المزعج والمؤسف أنه ليس هناك بوادر للخلاص من هذا الأسلوب، الذي أثبت أنه لايناسب وليس قادراً على حل مشاكلنا، بل هو يضاعف ويعمق من الجرح، حيث تزداد التوقعات والتطلعات. والشيء الأكثر إزعاجاً أن البعض يصفق ويتفاعل مع هذا الأسلوب في معالجة قضايانا ومشكلاتنا، سواء أكان ذلك البعض يتمثل في المسؤول أو المواطن البسيط، حيث تجد المسؤول المعني نتيجة ذلك التفاعل يركز على القضايا السريعة والمشكلات الآنية التي تلاقي صدى ايجابيا لدى المتعاملين مع اجهزتنا الحكومية ما يحدث نشوة للقائمين على الأجهزة ويدفعهم للاستمرار في التقاط ما يلامس الجرح المباشر، ويرضي العاطفة السريعة، أما ما يحدث بعد ذلك فيترك لمن سيأتي بعد ذلك المسؤول ليعيش التجربة ويكرر الأسلوب ذاته. إن هذا الأسلوب هو الذي عمّق مشاكلنا في السنوات الأخيرة وأصبحنا وكأننا نتعايش مع أوضاع مؤقتة، علينا أن نتفاعل معها ومع قضاياها بأسلوب العلاج السريع الذي يكون رد فعل لما يحدث فقط. والأسوأ من كل ذلك أنه لو حاول مسؤول أو جهاز الخروج عن ذلك النمط، والعمل بإخلاص لإيجاد خطط واستراتيجيات طويلة لتحقيق أهداف بعيدة المدى لمصلحة الوطن والمواطن فلن يجد القبول والترحيب حيث ضغط الشارع وتوقعات المسؤول، ما يفرض عليه السير مع التيار والاستجابة للصدى ونشوة التصفيق. هذا هو واقعنا الذي أصبحنا بسببه نجتر مشكلاتنا ونعيدها، وبإمكانكم أن تعودوا إلى أي صحيفة قبل عشرين عاماً أو أكثر أو أقل، لتجدوا المشكلات نفسها، والمطالبات بعينها، تتكرر بدون تبديل أو تغيير. هل يعني هذا أن تقف أجهزتنا الحكومية وتهمل حاجات المواطنين ومشكلاتهم اليومية والآنية؟ الإجابة بالطبع لا، ولكننا أصبحنا بحاجة إلى برنامج تنموي إصلاحي شامل يتجاوز هذه المشكلات والقضايا وينظر إلى الأمام من خلال معالجة واقعنا الحالي كي يكون قادراً على التجاوب مع تطلعات واحتياجات المستقبل. إن الحلول الجزئية ودغدغة مشاعر المواطنين والمشروعات البراقة لم تكن في يوم من الأيام مكونات لمشروع تنموي قادر على نقل البلاد والعباد إلى ما ينشدونه ويطمحون إليه، بل على العكس من ذلك هي وسيلة لتأجيل حل المشكلات وتراكمها وتفاقمها. إننا هنا لم نأت بجديد، إذ علينا أن ننظر فقط إلى المسار التنموي الذي تبنته دول عاشت نفس الظروف والامكانات والمرحلة التنموية واستطاعت أن تصل إلى ما وصلت إليه خلال الأربعين عاماً الماضية، وبعضها أقل، وهي نفس المدة التي عشنا فيها مع خططنا وبرامجنا التنموية. في كتاب جميل وحديث صدر للأستاذ جو ستودويل يتحدث فيه عن نجاح الدول الآسيوية التنموية ولكنه، وهذا ما يميزه، لم يأخذ تلك الدول بصفة مطلقة وإنما يقسمها إلى قسمين بناء على معايير نجاح مختلفة، يقول فيها إن سياسة الدول، الأكثر نجاحاً في مسيرتها التنموية الاقتصادية وتحديداً كوريا الجنوبية والصين واليابان كانت تركز على النجاحات بعيدة المدى أكثر من اهتمامها بالأهداف قصيرة الأجل بالرغم من عدم رضا المواطنين بما فيهم أصحاب الأعمال والشركات، المدفوعون دائماً بالنتائج السريعة، عن تلك التوجهات التي أثبت الواقع صحة قرار من يقف خلفها..

مشاركة :