أجد نفسي مضطراً لاستخدام المصطلح الانجليزي "Quick wins" أو ما قد يعرف بالنجاحات السريعة، وذلك من أجل ايصال الفكرة؛ حيث ن المصطلح الانجليزي هو الاكثر استخداماً وشيوعاً، حتى غدا أكثر تداولاً بين غير المتحدثين باللغة الانجليزية انفسهم، شأنه في ذلك شأن الكثير من المصطلحات الانجليزية المعربة. اسلوب إل "كويك وينز" هو اسلوب يستخدمه المسؤول لانجاز بعض الاعمال السريعة والعاجلة والتي، في الغالب، تلاقي قبولاً وارتياحاً من الجمهور المستفيد، ويستجيب لها ويتفاعل معها. للاسف الشديد أن هذا الأسلوب شاع استخدامه لدينا في السنوات الاخيرة، ولم تسلم منه حتى الشركات العامة في القطاع الخاص، حيث أصبح المسؤول لدينا يركز كثيراً على النجاحات السريعة، والمنجزات قصيرة الأمد، وكلما تفاعل الجمهور، استمرأ المسؤول ممارسة ذلك الاسلوب، حتى أصبح الكثير من مؤسساتنا العامة يدار بهذا الأسلوب. الاسلوب، في ظاهره، ليس خطأً، ولكنه يتطلب بيئة عملية لها شروطها ومواصفاتها، وأهم وأول تلك الشروط أن تكون الممارسة في تلك البيئة للعمل المؤسسي القائم على تراكم التجربة والخبرة والمعرفة. ما يضمن تناسق التوجهات والسياسات العامة للجهاز واستمرارها الزمني لخدمة المؤسسة وتحقيق أهدافها العامة، ما يجعل أسلوب "النجاحات السريعة" طريقا لمعالجة بعض الخلل والقصور وفق تلك التوجهات والسياسات، لا أن يصبح ذلك الأسلوب هو المبدأ والممارسة. إن التطوير الاداري، وبالذات حينما يكون في الشأن العام، عملية تراكمية، يضيف فيها اللاحق إلى ما بدأه السابق، ما يضمن معه ايجاد عمل مؤسسي لا يرتبط أو يتوقف على الاشخاص، وإنما يرتبط بالجهاز، ما يسهم في نجاح ذلك الجهاز واستمرار ادائه وإنتاجيته، وفق خط عام وواضح لكافة الاطراف المستفيدة والمتعاملة معه، مع بقاء اسلوب "النجاحات السريعة" أداة فاعلة في يد المسؤول للاصلاح والاضافة والتعديل وفق السياق العام. ان العمل المؤسسي الواضح والمنظم والقائم على استراتيجيات وخطط وبرامج واضحة، لاتخضع للاشخاص وتتغير وتتبدل بتغيرهم، مطلب اساس للتطوير الاداري وتحقيق اهداف التنمية التي تنشدها الدولة لخدمة المواطنين وتحقيق طموحاتهم وتطلعاتهم. ان هذا الاسلوب يضمن استمرار العمل وامتداده –بعد توفيق الله –وفق رؤى واضحة بعيداً عن الاجتهادات واحياناً "التخبصات والتخرصات " ولكن، ولكي نكون أكثر عدلاً مع المسؤول، فإن البيئة التي يعمل بها هذا المسؤول او ذاك، تدفع به احياناً كثيرة لاتباع اسلوب النجاحات السريعة، حيث الجمهور الذي يصفق لكل تصرف دون ان يدرك مدى استمرارية ونجاح ذلك التصرف او القرار على المدى البعيد من ناحية، ورضا المسؤول الاعلى الذي يتفاعل مع رد فعل الجمهور من ناحية ثانية. *اضاءة للمبدع غازي القصيبي رحمه الله من كتابه (التنمية الاسئلة الكبرى): والذهنية التنموية لاتبحث عن حلول "سريعة" -اذا كانت السرعة غير مقترنة بالكفاءة. حدثت في السبعينيات في المملكة العربية السعودية اختناقات عديدة نتيجة تحميل التجهيزات الاساسية مالا تطيق، وارتفعت المطالبات "بحلول عاجلة" وكان في توفّر الموارد المالية ماجعل من الممكن الاستجابة لهذه الطلبات. وهكذا وُجدت بجانب الحلول النهائية حلول عاجلة في كل ميدان: مساكن مؤقتة حتى يتم الانتهاء من المساكن الدائمة؛ مولّدات كهربائية تُوزّع على المواطنين في انتظار الانتهاء من الشبكات الكهربائية؛ أرصفة مؤقتة في الموانئ تستخدم أثناء تشييد الأرصفة الثابتة؛ وقد بلغت حمّى الحلول العاجلة ذروتها مع استخدام الطائرات العمودية لتفريغ حمولة البواخر!. أثبتت التجربة العملية، في كل حالة تقريباً، أن الحلول العاجلة مضيعة للجهد والمال - وأن بعضها يضيف إلى المشكلة بدلاً من أن يساهم في حلّها.
مشاركة :