* ليس ثمة ما هو أسوأ من أن تمارس أفعالا لا أخلاقية.. إلا أن ترفع شعارا أخلاقيا لتمرر من تحته هذه الأفعال. * لا يختلف اثنان على أن الجزيرة - القناة - قد ساهمت في تطوير أداء الإعلام العربي مهنياً وتقنياً.. فالمحطة التي هبطت فوق أرض العرب المتعطشة لقيم الشفافية والمصداقية في أواخر العام 1996، ساهمت بشكل أو بآخر في رفع مستوى الكفاءة الإعلامية في بلدان العالم العربي. لكن المؤسف أن القناة التي استقطبت قلوب وعيون وأفئدة العرب بشعارات الشفافية والمصداقية، والرأي والرأي الآخر التي رفعتها منذ يومها الأول، كانت تمارس دوراً باطنياً مخالفاً لكل تلك الشعارات.. فلم تكتفِ الجزيرة بكونها أداة إعلامية تنقل وتحلل الحدث كما هو؛ بل تحوّلت إلى صانعٍ للأحداث ومسيّر لاتجاهاتها فوق الأرض العربية.. وما تبنّيها لوجهة نظر أحادية تتفاعل مع نصف المشهد السياسي وتتعامى عن نصفه الآخر في دول الربيع العربي، وترويجها اللا محدود لبعض الجماعات السياسية إلا أمثلة لا تقبل الشك على صحة ما نقول. * إذا اعتبرنا أن التعطش لشفافية الرأي ومصداقية المعلومة في الشارع العربي قد ساهم في إيجاد حالة غير مسبوقة من الانجذاب الجماهيري الجارف، نحو القناة أشبه ما يكون بالتنويم المغناطيسي، فإن الأسوأ من ذلك هو استغلال الجهات المموّلة للقناة لتلك الحالة في تمرير أجندتها السياسية وتحقيق أهداف ترمي أكثر ما ترمي لبناء دور قطري بارز إقليميا وعالميا، وإظهار الشقيقة (قطر) وكأنها الوصيّ المكلف بتسيير شؤون العالم العربي كله، الأمر الذي ساهم في إفساد أجواء العلاقات السياسية بين قطر والعديد من تلك الدول. * من يتفهم كل ما سبق، لا يتعجب أبداً من إصرار ممولي ومسيري القناة على استغلال كل فرصة للإساءة إلى دول كبيرة كمصر والسعودية.. فالسعودية بتفاعلاتها الداخلية والخارجية وحراكها السياسي الدائم والمؤثر، وتنوعها الجغرافي والديموغرافي، لم تُشكِّل الساحة الأكبر والأرحب للقناة نحو صناعة المزيد من الإثارة والشعبية فحسب.. بل إنها تمثل العقدة الأكبر لمن يُوجّهون الجزيرة، لذا كانت القناة توجه - وفي كل يوم تقريبا - ضربة إعلامية للسعودية، إما صراحة أو تعريضا، الأمر الذي كان يلقي بالمزيد من الأحمال فوق ظهر جمل العلاقات القطرية السعودية، وكذلك كان الحال مع مصر ومع معظم الدول العربية التي عانت هي الأخرى من طعنات الجزيرة التي كانت للأسف الشديد تمرر تحت دعاوي الشفافية وحرية التعبير!. * ساذج من يعتقد أن هناك إعلاما محايدا بالمطلق.. لكن الأكثر سذاجة هو من ينتظر الحيادية من قناة بلغ مجموع خسائرها حتى اليوم أكثر من 500 مليون دولار!. من حق الإعلام القطري وعلى رأسه قنوات الجزيرة تقديم الشقيقة قطر على أنها النموذج الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه للديمقراطية والشفافية، ليس في المنطقة العربية فحسب بل على مستوى العالم كله، هذا من حقهم بالطبع.. لكن ما ليس من حقهم هو أن يكون ذلك من خلال التدخل الفج في السياسات الداخلية لبقية الدول العربية أو من خلال شيطنة المنطقة وتأزيم قضاياها. * أعجبني جداً تعبير أحد البسطاء وهو رجل طاعن في السن والسخرية معا، عن التناقض الذي تمارسه قناة الجزيرة حين قال: "يبدو أن قناة الجزيرة هي الأعور الدجال، صاحب العين الواحدة الذي يفتن الناس حين يقول شيئاً ويفعل شيء آخر تماما". m.albiladi@gmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (61) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :