فن مروان لم يكن فنا حكائيا، فهو أقرب إلى الشعر، في اقتضابه وزهده اللغوي وتوتره وتعلقه بما لا يُرى. كان هنا صمت هائل وملغز يكتنف الوجوه التي يرسمها مروان، كما لو أن تلك الوجوه هي للا أحد وقد تجسد فجأة عن طريق الخيال. ولأن الفنان كان صارما في استجابته لشروط وقوانين الحرفة لم يكن يجد تعارضا بين ما يراه وما يتخيله. مادته تتكون من استرسال تلقائي في المزج بين عالمين؛ ما يجده وما يخترعه، ما يغريه واقعيا وما يثير خياله. مروان قصاب باشي بريشة ابتسام الصفار كان الجمال يتشكل من حوله وفي أعماقه في الوقت نفسه، فكانت رسومه هي التوليفة المتشنجة التي تنتج عن ذلك الصدام غير المتوقع. لم يكن العالم الذي اخترعه مروان قصاب عن طريق الصور واسعا، بل كان أشبه بالمتاهة الصغيرة المغلقة على نفسها التي ما إن يدخل إليها المرء حتى يجد نفسه وقد توزع حائرا بين دروبها المتشعبة. حميمية فن قصاب لا تكمن في عاطفته التي تكاد تكون من النوع الصلب الذي لا يحنو بيسر بقدر ما هي قائمة في النظرة الكلية التي تجمع بشرا مجهولين، بعضهم إلى بعض في حالة من الانصهار في مواجهة العالم. لربما كان فن مروان هو الدرس المثالي في التعريف بالغرباء في لحظات قوتهم، بالرغم من أن الفنان نفسه لم يكن غريبا في المجتمع الذي عاش فيه ولم تنطو رسومه على أي نوع من أنواع الحنين إلى مجتمعه القديم. مروان المعلم كان دائم الحضور في رسومه. وهو أمر يكاد يكون صفة شخصية ميزته عن فناني جيله العرب الذين سعوا إلى أن يتحرروا بنسب متفاوتة من صفاتهم الأكاديمية، ليكون ذلك التحرر تمهيدا لحرية، قد تأتي من مكان آخر. ما نجح فيه مروان أنه بلور مفهوما خاصا للحرية داخل عالمه، وهو المكان الذي ظل وفيا له. قيمة مروان الجمالية تكمن في محدودية عالمه. كان يحفر عموديا ولم يكن يعنيه الانتشار الأفقي. لذلك لم يتشظ عالمه، وظل متماسكا وصلبا مثل عاطفته. برحيله خسر العالم العربي واحدا من كبار معلمي الرسم. وهو الذي كان سفيرا للغة التحضر المفتوحة على سعتها في مواجهة الانغلاق على الهويات الصغيرة. كان الجمال هو هويته الوحيدة. إقرأ أيضا: الفنان الكوني :: اقرأ أيضاً رواية ألمانية تكتبها أمّ فقدت ابنها في دائرة الإرهاب الفنان الكوني اليابان والبرازيل والسويد في معرض أبوظبي للكتاب 2017 كشك صغير يستقبل المواهب ويعرضها عبر الإنترنت
مشاركة :