دبي: علاء الدين محمود ضمن فعاليات مهرجان دبي لمسرح الشباب في دورته العاشرة، الذي تقيمه هيئة دبي للثقافة والفنون 10 سنوات من الإبداع المسرحي، شهدت ليلة أمس الأول عرض مسرحية رياح الخردة وهي من إخراج أحمد الشامسي، ومن إنتاج مسرح دبي الشعبي، شارك فيها عدد من الممثلين الشباب منهم: علي الحيالي، وعلياء المناعي، وقد قدموا أداءات عالية في مستواها الفني، استمتع بها جمهور العرض، وقد استعان مخرج العرض بكادر إماراتي في التمثيل والطاقم الفني من الإضاءة والصوت، وهو من الميزات التي شهدت مشاركة أكبر طاقم فني إماراتي خلال المهرجان. وتلعب المسرحية على فكرة الصراع الأزلي بين الخير والشر، والذي يأخذ أشكالاً عديدة في حياة البشر، فهنالك الغريب المحتل، وصراع العدل والظلم، مثّل بطل العرض فكرة الخير المنتظر أو الخلاص، من خلال عمله كجامع خردة من مخلفات الحروب، ويعيش ذلك الرجل الفقير في مكان قصي بعيداً عن أعين الناس فقد ملّ لعبتهم، التي هي لعبة الحياة في شرطها القاسي، في مكرها وطمع الذين يريدون أن يمارسون الإقصاء والذين يوزعون الظلم على غيرهم، ليعيش جامع الخردة في مساحة صغيرة تكفي مناجاته البائسة لذاته المقهورة، إنه يدخر الأشياء لغد قادم متخيل، يفارق فيه ذلك الحاضر القاسي، فالأشياء التي يدخرها ترتبط بالماضي، بأرواح من ذهبوا من الذين اقتنوها يوماً، ومن ضمن هذه المقتنيات التي وجدها بين ركام بائس، بوق مزركش جميل، هو البوق الذي يبحث عنه الجميع، إذ يصبح ذو قيمة تتجاوز قيمته المادية الحقيقية، فالبوق يمثل لكل واحد شيئاً، بل رمزاً، قد يكون رمزاً للخلاص، وقد يكون رمزاً للسلطة.. وهكذا، في عالم مجنون يعيش في ضفتين، تضم الأولى الذين يستغلون الناس ويقهرونهم من الذين يصنعون الحروب والدمار، وفي الضفة الأخرى البؤساء الذين يتمنون الموت ولا يجدونه. وفي المشهد الأول من المسرحية ينفتح الستار على ذلك الشاب الفقير وحيداً مع مدخراته التي يجمعها من بقايا المخلفات، كأنه اعتزل الناس وآثر العيش مع مخلفاتهم، فقد أضناه وجع الحياة، هو هنا مع سلطته التي شكلها والتي تمناها، عالم لا قهر فيه ولا ظلمات، ليبقى في هذا المكان يدخل في حوارية يومية مع نفسه، تعكس غُبنه وكرهه للظلم وتوقه لاللا شيء، إذ يتمنى الموت فلا يجده، كما لم يجد من قبل الحياة، ولم يجد العدل، كانت غربته ضد الاغتراب، إذ مثلت بحثاً عن ذاته، عن كينونته كإنسان يرفض التواطؤ، ومشاركة المجرم جريمته، هو لا يريد أن يصبح شاهد زور، فعاش حياة لا طعم فيها، حياة يسودها الظلم واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان، فكان لابد أن يمارس الاحتجاج في أحد حدوده وهو الاعتزال. وفي غربته تلك، يسعى إليه ما فر منه بالأمس، فيفتح عينيه ذات يوم على مشهد فتاة في قبضة جنود يسومونها العذاب فتتمنى الموت ولا تجده، ويقرر بعد حوار مع الذات، أن ينقذها لتنشأ قصة حب بينهما، فيقررا أن يقاتلا معاً ضد وجع الحياة والظلم والقهر والخراب الذي يسعى بين الناس على أيدي الظالمين، لكن هل ينتصران؟، إن العرض يؤجل الإجابة على ذلك فالنهاية مفتوحة على كل شيء، فخراب العالم لم يكن إلا انعكاساً لخراب النفس البشرية. ويكثف العرض دلالة ذلك الخراب والموت، من خلال الحوار ومن خلال شخصية حفار القبور الذي تسعده مهمته في دفن الناس فهو يشم رائحة الموت ويشكر قائد الجند لكونه قد جعل ذلك الأمر ممكناً ويسيراً، وتحتشد المسرحية بالحوارات القوية بين أبطالها حول الخير والشر، حوارات قوية تغوص بنا في تعقيدات النفس البشرية، وآمالها وأحلامها بغد أفضل، غد يخرج فيه صوت البوق من وسط الأوركسترا ليعلن بداية جديدة لإنسان جديد. فالطرح الذي تقدمه المسرحية واضح، لقضية ربما مطروقة لكن المعالجة التي قدمها مخرج العرض أوجدتنا أمام طرح مختلف، بفلسفة مختلفة في الموقف من الحياة، يحمل رفضاً نبيلاً عندما يعكس فكرة الصراع مع الشر، كصراع أزلي، ومعناة النفس البشرية في خضم هذا الصراع الذي لا ينتج إلا مزيداً من الشرور، ليكون الألم هو حصاد النفوس التي تهمس بالاحتجاج همساً، النفوس التي تتمنى الموت على ألا تصبح جزءاً من هذا الخراب. وكان مؤلف ومخرج عرض رياح الخردة قد تحدث عن فضاء وأجواء عرضه، وقال: أحداثها تدور حول شخص مثقف واسع الفكر مطلع على التاريخ اعتزل البشر وقرر القيام بجمع الخردة من مخلفات الحروب وسلال القمامة، لأن في اعتقاده أن هذه الأشياء ترتبط بأزمنة وأرواح أناس قد اقتنوها في السابق أو توارثوها على مر العصور والأجيال، محاولاً بذلك تفسير ما يحدث اليوم بما حدث في الأمس من خلال رحلة البحث في حكاية البوق، لتؤكد لنا هذه الرمزية حقيقة المبدأ الكوني التاريخ يعيد نفسه وأنه لا حياة مع الأموات.
مشاركة :