ريش النساء وأجنحتهن | نبيلة حسني محجوب

  • 11/2/2016
  • 00:00
  • 40
  • 0
  • 0
news-picture

يُحكى أن تاجراً يُدعى « حسن البصري « ترك بغداد وأبحر إلى جزيرة بعيدة ليعيد تكوين ثروته التي خسرها في الملذات كما تقول الحكاية، لكن هذا المقطع يتناقض مع وضع تاجر مفلس- ليس هذا مهماً- الحكاية التالية هي القضية: كان حسن البصري ينظر إلى البحر من شرفة عالية من قصره ذات ليلة، فرأى عشرة طيور حطت على شاطئ البحر المتلاطم الأمواج، انجذب لرشاقة وجمال طائر بينها، شق كل طائر جلده بمخالبه وخرج منه، تخلص الطائر من ثوب الريش الذي كان يخفي فتيات كالحوريات وبينهن فتاة شديدة الجمال، اندفعت إلى الماء وشرعت في السباحة هي وصويحباتها، انبهر حسن بحسنها وشغف بها حباً، ظل حسن يراقبهن حتى عدن إلى ثيابهن الريش لبسنها وعدن طيوراً كما كن. انتظر « حسن « قدومهن في اليوم الثاني، واقترب منهن وأخذ ريش الحورية التي ألهبت لبه وسلبت عقله فخبأه، بعد انتهاء لهوهن، لبست كل واحدة ريشها وطارت ، طلبت الحورية ثوبها فلم تجده، أسرها حسن وتزوج بها، وفي أحد الأيام كان عليه الخروج للتجارة فأوصى أمه بمراقبة محبوبته كي لا تجد ثوب الريش فتهرب، لكنها وجدت ثوبها لبسته ووضعت طفليها داخله حلقت وطارت بعيداً عن حسن وأسْرِه. الريش في الحكاية التراثية يمثل حقوقاً كثيرة نزعت من المرأة كما نزع حسن البصري ثوب الريش الذي كانت تحلق به المرأة كي يأسرها ويتزوجها وخبأه في حفرة كي تظل معه غير قادرة على التحليق والطيران، وهي لم تغادر حنينها لريشها وأجنحتها ظلت معه جسداً لكن قلبها تعلق بحريتها. حرمان المرأة من ريشها وأجنحتها أحد أشكال العنف الممارس ضد المرأة عبر العصور، يتكرر في صور مختلفة، يتنكر، لا يتخلى عن لبه الفاسد، وتقضُمه النساء قسراً، كحرمان المرأة من اتخاذ قرار يخصها، يخص حياتها صحتها مستقبلها. سلب الحقوق، يترتب عليه فقدان الأهلية، هذا ما عانت منه المرأة على مر التاريخ، وقضية « الأنثوية « أو « النسوية « هي نضال متواصل لاسترداد حقوق المرأة، والقضاء على أشكال العنف الممارس ضدها، وتهيئة مجتمعات تنمو بالمشاركة والمساواة، التي تعني تكافؤ الفرص بين الجميع رجالاً ونساء، وعدم التمييز بسبب الجنس. المرأة ليست فقط ساردة للحكاية، هي البطلة، الأنوثة بطولة، الأمومة، العشق، الحرمان، العذاب، المساومة على العفة أو الأمومة، كلها قضايا ملتصقة بالمرأة ،جسدها، مشاعرها، حريتها، ملكيتها، حقها في اتخاذ قرارها، والمحكي الشفوي من قصص ألف ليلة وليلة يقدم المرأة « البطل « داخل الحكاية، وسارد الحكاية، حكاية شهرزاد التي تضم ألف حكاية تقوم على وعي المرأة التي تقرر مصيرها وتغير قدرها وقدر نساء أخريات كان يمكن أن يكون مصيرهن القتل، والجهود التي تقوم بها النساء السعوديات من أجل استرداد الحق في الحرية الإنسانية التي كفلها الخالق للانسان ذكراً وأنثى، بإسقاط الولاية ، واسترداد الحق في امتلاك القرار في كل ما يخص حياة المرأة يعيد صورة شهرزاد في هذا العصر لتنقذ نفسها وتنقذ بنات جيلها من مصير « سلب الحقوق « الذي يحيلها إلى جسد بلا عقل أو إرادة حرة تقرر بها مصيرها. المطالِبات برفع الولاية وإذن السفر للمرأة الراشدة يخضن نضالاً ضد العنف وسلب الحقوق الممارس ضد المرأة ،ينقبن عن الحفر التي خُبِّئ فيها الريش والأجنحة التي سُلبت من النساء ليظللن أسيرات التقاليد البالية والمجتمع الجامد و المتناقض، الذي يمنح الفتى حق السفر بدون إذن عند بلوغه السن القانونية ويَحرِم المرأة من هذا الحق حتى لو بلغت من الكبر عتياً. نصمت في مجتمعنا عن كل المشاكل والتجاوزات وقضايا الإرهاب والمخدرات والجرائم التي ارتكبها شباب غر في الداخل والخارج وتقوم الدنيا ولا تقعد إذا طالبت المرأة الراشدة برفع الولاية والسفر دون إذن لتكون ردة الفعل مبالغاً فيها. nabilamahjoob@yahoo.com

مشاركة :