كوثر الأربش الكاتبة السعودية، هذه الشخصية المثيرة للجدل، بعد فقدانها فلذة كبدها في جريمة إرهابية، تتعالى على الحزن وتكتب وثيقة تدعو فيها: «ألا ننجر إلى أتون الفرقة ودعاوى الطائفية والإقصاء، لا لحشد شعبي أو عسكرة خارج إطار الدولة، بيوتنا الداخلية وأفكارنا وموروثاتنا وثقافتنا علينا مراجعتها». وانتشرت تغريداتها التي تقول: «لو سن تجريم الطائفية واحترام الآخر، سيكون الشيعة المتطرفون أول الخاسرين. لسنا بحاجة إلى الكثير من البصيرة لنعرف أن تفجير القديح إرهابي، لكننا بحاجة إليه لندرك أن استغلاله لجعل الشعب إرهابياً، فعل إرهابي آخر. قَومي ناقمون عليّ لأنني أترضى على الصحابة ولا أخوّنهم، وأرفض الخرافة والطقوس وأنتقد الموروث. وردت في القرآن الكريم كلمة يتفكرون 18 مرة، ويعقلون 22 مرة، فكم مرة ذُكرت يتوسلون بالمزارات والضرائح؟ إيران هي إحدى مُصدري التطرف إلى سورية والعراق ولبنان واليمن. إيران لم تكن يوما شيعية، الصفويون هم من حولها شيعية بقوة السيف، لإجبار القرى السنية على التشيع. المستفيد الأكبر من داعش هي إيران، وربما لها يد في صنعها لكي تقدم نفسها كبديل للإسلام الداعشي. السلطة الشيعية في العراق تعطي نموذجا دونما أقنعة ولا تقية على التطرف الشيعي. المثقف الشيعي اختار مجاراة الجهلة والمتطرفين خوفا من الإقصاء والتخوين والاعتداء. رجل الدين إما متكسب وإما خائف، والغالبية إما بسطاء مستلبون وإما تابعون متطرفون. هؤلاء الذين يضعون بينهم وبين الله وسيطاً يفوتون على أنفسهم جمال مناجاة الخالق. تأكد أيها التابع المسكين ان الله ليس من طلب منك الأخذ بثأر قبل ألف عام، إنما شياطين البشر هم من يدعونك لذلك، وكلما دعونا للعقلانية اتهمونا بالوهابية». هذه تغريداتها، وهناك موافقون ورافضون لآرائها، وها هو بعض من الجدل الدائر حولها: - كوثر غير متمحصة في الشرع، ولا تمتلك الأدوات العلمية في النقد، وتريد أن تخلع عباءتها على حساب مشاعر الملايين، الناقد والمحلل لا يستجلب العداوة والغل لنفسه ولا يزين الطرف الآخر، هي حاقدة ومتعالية ومشدوهة بنفسها، وهي تجعل طائفة أفضل من الأخرى، وفي الحقيقة لا طائفة أفضل، كل له اجتهاداته وممارساته التي تحترم وتحلل، مع تجنب التصادم القبيح الذي يولج العداوة والطائفية، طرح كوثر طائفي وبغيض. - الفكر المتطرف لا يحتمل سماع أي رأي آخر، ثم كل إنسان حر في تفكيره، ومعرفة الآراء تزيد من أفق الإنسان وتفكيره، ونحن مطلعون على مختلف الآراء، ونتحمل الكثير من الإساءة، لكن نترفع عن نقلها احتراما، ولكي نكون جسرا من الود واللحمة الوطنية، ولا ننزلق في مستنقع الطائفية، والكثير من الناس سنة وشيعة يوافقون على رأي كوثر، فلماذا لا تريدون سماعها وتخونونها بسبب أفكارها، وتشنون هجوما على شخصها واتهامات لها بالطائفية؟ - نحن لم نخونها، لكنها ليست بالشخصية التي نعتد بها لمناقشة موضوع حساس، وخاصة انها ليست متخصصة، فليس كل من هب ودب يحق له أن يفتي، إنها تقوم بتجريح مشاعر الطائفة الشيعية، ولماذا تتصدر الفضائيات؟ هل لأنها تساهم في الشحن الطائفي؟ هل هدفها شخصي كالشهرة من خلال انتقاد طائفتها باسلوب استفزازي مبالغ فيه؟ - ما قالته الكاتبة كوثر مجرد رأي، فهل تستحق عليه التكفير أيضا؟ وهل علينا فقط أن نمنع أي إنسان من التعبير عن رأيه بحجة أنه غير متخصص؟ والمشكلة أن معظم من يدعون التخصص غير متخصصيين، خصوصاً من يسمون أنفسهم رجال الدين، من له رأي فليعبر عنه بحرية، لماذا يحتكره قلة؟ وبالعكس أصبح معظم من يفتون غير متمكنين، ولهم من يسمعهم. لا توجد شخصيات يعتد برأيها وشخصيات لا، كل إنسان من حقه أن يعبر عن وجهة نظره، ولا فرق بين كوثر وبين أي رجل دين أو سياسة. رأيها رأي، ومن حقها التعبير عنه، ولا يعتبر في صميم الدين، وعلينا مواجهة أنفسنا أولا لأن الفتنة الطائفية مستفحلة، وعلينا أن نكون واعين، لكي لا ننجرف من دون أن نشعر إلى هذا الإعصار المدمر. الحديث الشريف يقول: «ليس المسلم بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيئ». وهذا يؤكد أن علينا تقبل جميع الآراء بسعة صدر، وبلا تكفير أو تدمير. في حوار كوثر مع الشيخ حسن الأكرف على مواقع التواصل الاجتماعي، وجدتها منطقية، تسمع وتحاور، ولو أنني أعتقد أن ذلك الحوار مضيعة للوقت، لأنه يكرس التفكير في الماضي، وإغفال الحاضر والمستقبل، لأنه سواء أمر يزيد بقتل الحسين، أو لم يأمر، فلن يعيد التاريخ أدراجه. وكما شاهدنا حلقة القصبي عندما أمر الضابط الأجنبي بإدخال السني والشيعي إلى مستشفى المجانين لأنهما يتعاركان على قضية حدثت قبل 1400 عام. الطائفية يتم شحنها من كلا الجانبين، وثمة محطات فضائية تفتح الأبواب لأبواق الطائفيين المقيتة، لأنهم يخدمون مصالح من يدفع لهم. إن من يقف خلف التأجيج الطائفي مؤسسات ومراكز إعلامية وسياسية ضخمة، تنفق مليارات من أجل تحقيق أهدافها في تدمير المجتمع، وعلى الجماهير أن تعي المخاطر وتفوت الفرص على مثل هذه المؤسسات الطائفية. إن تاريخا طويلا من الممارسات الطائفية والتحريض على كره الآخر ونبذه، أثمر هذا الواقع المؤلم، وعلينا مراجعة أنفسنا وثقافتنا ومناهجنا وإعلامنا وخطابات رجال الدين في المساجد والمآتم. الفكر الداعشي المتطرف لا يمثل السنة أبدا، كما ان التطرف الشيعي لا يمثل الشيعة، ولو تُركت الشعوب بلا شحن طائفي ممنهج لتعايشت في محبة وسلام. من الواضح ان الصديد الطائفي أفقد الكثيرين عقلهم، وأضاع اتزانهم، فلم يعد ببساطة التفريق بين الحق والباطل، وللأسف معظم شبابنا ألعوبة في يد الطائفيين والسياسيين المتمصلحين، ومن المستحيل أن يعترف الطائفي انه يفكر بطريقة طائفية. كوثر تسبح ضد التيار وتغني خارج السرب، هي ولدت شيعية ولم تختر مذهبها، وكلنا وجدنا آباءنا على ملة واتبعناهم، وقلة منا يُعمل عقله، ويلاقي سيلا من التكفير والردة، وتخيلوا معي لو كانت كوثر سنية المذهب، لغنّت خارج سربها أيضا، ولواجهت أيضا كل أنواع الهجوم من التطرف السني، لأن لها عقلا حرا، وأقل ما سيقال عنها إنها علمانية أو كافرة. وإلى كل إنسان في كل مكان رجلا كان أو امراة أقول: كن إنسانا قويا يهوى التحليق في رحاب العقل الفسيح، غن خارج سربك، اصدح واعزف الألحان، لا عليك حتى لو اعتبرها البعض نشازا، ومهما كان التيار قويا، اسبح دائما ضده، فبذلك نصنع التجديد والحياة لمجتمعنا العربي. aalsaalaam@gmail.com
مشاركة :