ينقل لنا الكاتب والروائي إبراهيم أصلان قصة فيلم قصير جدا لم يشاهده ولكن أحد أصدقائه قد حكاه له بعد أن شاهده في مهرجان كان السينمائي حيث فاز الفيلم بالجائزة، ورغم أن مدة الفيلم لاتتجاوز الدقيقتين أو الثلاث دقائق، إلا أنه علق في ذاكرته بعد مرور مدة طويلة، ويحاول إبراهيم أصلان أن يحول المشاهد والمحكي له إلى مكتوب لا يقل إبداعا عن المرئي. يقول: «الوقت آخر الليل.الكاميرا(لا نراها طبعا) ثابتة في ناصية زقاق تنقل لنا شريحة من طريق عام في العاصمة الهندية نيودلهي. مصابيح قليلة مضاءة وليس أحد آخر، وفي خلفية المشهد بضعة محلات مغلقة وراء الرصيف الممتد بعرض الشاشة. هناك كائن نائم على هذا الرصيف ومختف تحت غطاء قديم. من الزاوية اليسرى للكادر يتقدم شخص على نفس الرصيف ويلاحظ الكائن المغطى. يتوقف، ويلتفت هنا وهناك ثم يقترب بهدوء، يرفع الغطاء وينسل تحته منضما إلى الكائن النائم. فترة...ثم تلاحظ على الشاشة حركة خفيفة ومنتظمة تحت الغطاء...ثم هدوء. الشخص يطل برأسه من تحت الغطاء ليراقب الطريق،ليقوم واقفا وهو يسحب الغطاء عن الكائن النائم ويمشي خارجا من يمين الكادر. يعود المشهد إلى خلوه وثباته كما كان. فترة أخرى. يدخل الكادر شخص آخر. يلاحظ الكائن النائم. يتمهل... إنه يتطلع هذه الجهة إلى تلك.يقترب، وبسرعة، ينسل تحت الغطاء منضما إلى الكائن النائم! تكون حركة خفيفة منتظمة. فترة... يطل برأسه ثم يغادر مكانه وهو يسحب الغطاء على النائم ويغادر مسرعا من يسار الكادر. يعود المشهد إلى خلوه وثباته كما كان. الكاميرا ثابتة مكانها طيلة العرض. ضوء النهار يتسلل والحياة تستيقظ رويداً... صوت محل يفتح،وسيارة عابرة من بعيد. يدخل شرطيان من يمين الكادر. أحدهما يتنحى جانبا ليلبي نداء الطبيعة! والآخر يتقدم من الكائن النائم على الرصيف، ثم يكشف وجهه الذي لا نراه على الشاشة. فترة... ثم يغطيه مرة أخرى. يستدعي زميله الذي انتهى من تلبية نداء الطبيعة...يتحدثان. أحدهما يحمل الكائن النائم من يديه والآخر يحمله من قدميه. يمران أمامنا بعرض المشهد حتى يخرجان من يسار الكادر. فترة... من يمين الشاشة، تدخل عدة كلمات مكتوبة. الكلمات تقول (كثيرات من نساء الشوارع، يمتن على الأرصفة). صمت داخل القاعة يستمر من خمس إلى سبع ثوان. القاعة تنفجر في تصفيق حاد يتجاوز مدة العرض بدقيقة أو اثنتين». انتهى. لا أدري لماذا اخترت لك هذه القصة لكي أضعها بين يديك اليوم،هل أردت أن ألفت نظرك إلى مصير النساء في الهند أو في أي دولة لا يزال لها مواطنون ينامون على الأرصفة،أو في سكن لا يليق بآدمي؟ أو لعل ذاكرتي الانتقائية أعجبت بهذه القصة خصوصاً وأن لي صديقاً كثيراً ما يحدثني عن مصير الخدم الهاربين من كفلائهن ليسقطوا في يد مَنْ لا يخاف الله أو القانون مستغلا ضعفهم وقلة حيلتهم؟ فهذا هو الحال دائماً بمجرد أن نكتب أو نقرأ شيئاً ما حتى نتساءل (أين موقعنا من ذلك؟) فأتساءل وأنا أنهي المقال،هل يحق لي أن أربط بين الكائن النائم والناخب العائم وراء خطابات قد تجعلنا جميعاً مواد لقصص أفلام قصيرة تعرض في مهرجان كان السينمائي؟ربما يحق لي وربما لا يحق لي!! حيث سيعتبره البعض ربطاً بعيداً واسقاطاً غارقاً في الخيال، ولكن في كلتا الحالتين يبدو أننا لن نحصد الجوائز. كاتب كويتي @moh1alatwan.
مشاركة :