انطلقت أولى جلسات الاستماع العلنية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في تونس مساء أمس، في خطوة تاريخية في البلاد التي عانت لعقود من الاستبداد خلال فترة الرئيسين السابقين زين العابدين بن علي والحبيب بورقيبة، فيما تتواصل التجاذبات بين الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل الذي يرفض تأجيل زيادة مرتبات موظفي القطاع العام. وذكر بيان لهيئة الحقيقة والكرامة، الهيئة المستقلة المكلفة بتنفيذ العدالة الانتقالية في تونس، أن الهدف من جلسات الاستماع العلنية، التي تمكن ضحايا الانتهاكات من عرض شهاداتهم أمام العموم، هو «تفكيك نظام الاستبداد وإصلاح المؤسسات وترسيخ ثقافة عدم الإفلات من العقاب». وبدأ بث أول جلسة استماع مساء أمس، على 6 قنوات محلية وأجنبية، بينما تشير أرقام هيئة الحقيقة والكرامة إلى أن مكاتبها تلقت نحو 60 ألف ملف انتهاك طيلة الفترة الزمنية الممتدة بين العامين 1955 و2013 أي طيلة فترة حكم الرئيسين السابقين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي. ويعتبر مراقبون أن هذه الجلسات مهمة ومفصلية في مسار الانتقال الديموقراطي في تونس باعتبار أنها الأولى من نوعها في تاريخ البلاد، حيث سيتمكن الضحايا خلالها لأول مرة من عرض شهاداتهم أمام العموم والتحدث عن المعاناة والانتهاكات الذي تعرضوا لها طيلة فترة النصف قرن الماضية. وقالت رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة سهام بن سدرين إنه سيتم بث 4 أو 5 شهادات على أن لا يتجاوز وقت الشهادة الواحدة ما بين 30 و40 دقيقة، مشيرةً إلى أن الجلسات ستُعقد في قصر في ضاحية سيدي بوسعيد شمال العاصمة (أحد أرقى الأحياء في تونس) و «الذي كانت تستعمله زوجة الرئيس السابق بن علي في جلساتها الخاصة». واعتبرت سهام بن سدرين أن هذه الجلسات «تشكل حدثاً تاريخياً مهماً لكل التونسيين وستدرس للأحفاد والأجيال اللاحقة كما ستعزز صورة تونس في العالم كنموذج للتسامح، وهي لا تهدف إلى التشفي بقدر ما تهدف إلى كشف الحقيقة». وأضافت بن سدرين أن الجلسات ستمكن من «كشف الحقائق وإنصاف الضحايا». وتشرف هيئة الحقيقة والكرامة على ملف العدالة الانتقالية منذ تأسيسها قبل سنتين، وتتكون من 15 عضواً تم انتخابهم من جانب البرلمان، ويسمح قانون العدالة الانتقالية للهيئة بالنظر في انتهاكات حقوق الإنسان بدءاً من عام 1955 وهو تاريخ حصول تونس على استقلالها من الاستعمار الفرنسي ويمتد حتى صدور القانون في العام 2013. وتُعد سهام بن سدرين من بين أبرز الشخصيات الحقوقية المعارضة لنظام بن علي، وتعرضت لمضايقات كثيرة، لكنها تواجه انتقادات واسعة من جانب السياسيين والنشطاء واتهامات بالانحياز لحركة «النهضة» الإسلامية التي دعمت ترؤسها لهذه الهيئة. وبدأت جلسات الاستماع التاريخية في ظل استعداد البلاد لاحتضان المؤتمر الدولي للاستثمار في نهاية الشهر الجاري، وسط تخوفات من تدهور الاقتصاد التونسي الذي يعاني من تراجع مستمر منذ الانتفاضة الشعبية التي أنهت حكم بن علي. في غضون ذلك، جدد الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة عمالية في البلاد) رفضه اقتراح الحكومة تأجيل صرف زيادة مرتبات موظفي القطاع العام إلى العام المقبل، بينما استعد البرلمان للمصادقة على مشروع قانون موازنة الدولة للعام 2017 والذي يواجه رفضاً واسعاً. وقال الأمين العام المساعد لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي للصحافيين أمس، إن الاتحاد يتمسك بزيادة الأجور في موعدها المتفق عليه العام المقبل، وذلك بعد جلسة تفاوضية بين الحكومة ووفد من اتحاد الشغل مساء أول من أمس في مقر رئاسة الوزراء. وكانت حكومة يوسف الشاهد اقترحت على ممثلي العمال تأجيل صرف الزيادات إلى تشرين الأول (أكتوبر) 2017، بعد أن كان الاقتراح الأول ينص على تأجيل الزيادة لسنتين مراعاةً لتدهور الوضع الاقتصادي والمالي واختلال التوازنات المالية للدولة، الأمر الذي رفضه الاتحاد العام بشدة. وكان مجلس الوزراء صادق منذ شهر على مشروع قانون الموازنة للعام 2017 الذي تضمن فرض ضرائب جديدة على الشركات والمحامين والأطباء وأصحاب المهن الحرة، إضافة الى تأجيل صرف زيادات رواتب الموظفين ورفع أسعار الكهرباء، ما خلق أزمة اجتماعية أمام حكومة الشاهد التي تولت المسؤولية منذ شهرين. وتواجه موازنة العام 2017 «التقشفية» معارضة شديدة من جانب اتحاد الشغل واتحاد أرباب العمل، إضافة إلى المحامين والأطباء وأصحاب المهن الحرة، كما تعارض القوى اليسارية سياسات الحكومة التي تعتمد التقشف والاقتراض من المانحين الدوليين.
مشاركة :