متعة الكتابة في السنوات الأخيرة من العمر بقلم: حسونة المصباحي

  • 7/18/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

الكاتب التونسي حسن نصر، صاحب التجربة الكبيرة والعميقة للحديث حول تجاربه الأدبية.العرب حسونة المصباحي [نُشر في 2017/07/18، العدد: 10695، ص(15)]عندي رغبة دائمة في التجريب لم يعد الكاتب التونسي حسن نصر الذي بلغ من العمر الثمانين هذا العام، يرغب في مغادرة بيته بالضاحية الجنوبية من العاصمة التونسية “الزهراء”، ليركب القطار إلى العاصمة بهدف مجالسة أصدقائه من الأدباء والشعراء والفنانين في “مقهى باريس” بجادة شارع الحبيب بورقيبة. فجل أصدقائه رحلوا عن الدنيا. كما أن متاعب الشيخوخة أصبحت تجبره على التقليل من الحركة والنشاط، مع ذلك هو يواصل الكتابة بشغف ومتعة قائلا “ليس هناك متعة في السنوات الأخيرة من العمر تعادل متعة الكتابة. لذا أنا أكتب وأكتب. وقد أصدرت خلال السنوات الماضية روايتين، وكتابا جمعت فيه خواطري بطريقة شعرية، وآخر أتحدث فيه عن أدباء عرفتهم وعاشرتهم، منهم الناقد فريد غازي الذي توفي عام 1961. تعرفت عليه أول مرة عام 1959 أمام مبنى الإذاعة حيث ذهبت إلى هناك لأتسلم جائزة أدبية فزت بها بعد أن نشرت قصة في مجلة الإذاعة. وقد أسعدني استقباله لي، وإعجابه بالبعض من قصصي. فقد كان قارئا نهما يتابع بشغف كبير كل ما ينشر في الصحف والمجلات”.الكاتب تمكن من أن يعكس من خلال قصصه الشيقة والمكثفة التحولات الصغيرة والكبيرة التي مر بها المجتمع التونسي أصدقاء غادروا يعتبر الكاتب أن فريد غازي من الذين لعبوا دورا كبيرا في ترسيخ أسس الحداثة الأدبية في تونس. ورغم أنه كان أول تونسي يحصل على شهادة دكتوراه دولة، فإنه كان يتعامل مع الجميع من دون غرور ولا مركبات. وكان مطلعا اطلاعا واسعا وعميقا على الأدب الفرنسي، وعلى الآداب الغربية بصفة عامة. لكنه كان مسكونا دائما بالموت. وكان يشعر بأنه سيموت مبكرا. وهذا ما حدث بالفعل، فقد توفي عن سن تناهز 32 عاما فقط. ويواصل حسن نصر حديثه قائلا “في كتاب الذكريات هذا، أتحدث أيضا عن الأستاذ الطاهر الخميري الذي كان عارفا بالأمثال وبالتقاليد التونسية. وكان يتقن الفرنسية واللاتينية واليونانية القديمة، ويكتب مقالات مختصرة بلغة جميلة ومكثفة. وكان يقول ‘لا أكتب لكم بلغة أنا وأنتم، إنما أكتب بلغة نحن فقط‘. وكان يصف تونس بـ‘البيت الكبير‘. وهذا البيت في حاجة إلى التنظيم والتنظيف. وعلى الجميع أن يتعاونوا على ذلك، ويتركوا النظريات، وينصرفوا إلى العمل الجاد. وأنا أعجبت به في بداية مسيرتي الأدبية. وكانت تفتنني أناقته، ومشيته البطيئة الثابتة، ومهارته في زرع الأفكار الجميلة في رؤوس الآخرين”. وفي الكتاب يتحدث حسن نصر أيضا عن الشاعر الراحل أولاد أحمد الذي يعتبره من أفضل الشعراء التونسيين من طينة الشابي، كما يذكر الروائي الكبير البشير خريف، وآخرين كانوا ومازالوا مؤثرين في الأدب التونسي. حسن نصر المولود في العاصمة التونسية عام 1937 دَرَسَ في جامع الزيتونة. وفي تلك الفترة، أي عندما كانت تونس تعيش سنوات الاستقلال الأولى، تعرف على المفكر الراحل العفيف الأخضر، ونشأت بينهما علاقة صداقة متينة. رواية تعكس التحولات السريعة بعد الاستقلال وعن ذلك يقول “في الفترة التي بدأت أنشر فيها قصصي في مجلة ‘الفكر‘ التي كان يديرها محمد مزالي، لم تكن لي الجرأة لمخالطة أهل الأدب والفكر. لذا كنت أكتفي بإرسال قصصي إلى المجلة، مراقبا المشهد الأدبي من بعيد”. ويضيف “ومرة ذهبت إلى مكتبة أمام جامع الزيتونة كنت أعرف صاحبها. ولما عاينت أن مجلة ‘الفكر‘ نشرت لي قصة، أردت أن أقتنيها إلاّ أنني انتبهت إلى أنني لا أملك ثمنها كاملا. عندئذ تدخل شاب كان واقفا أمام المكتبة وأهداني المجلة بعد أن دفع ثمنها. ولم يكن ذلك الشاب سوى العفيف الأخضر الذي أصبح صديقا لي منذ ذلك الحين. وأنا أتذكر أنه لم يكن ينقطع عن التهام الكتب وهو واقف أمام المكتبات بالمدينة العتيقة. كما أنه كان يتمتع بقدرة فائقة على التأثير في الآخرين”. ويتابع نصر “بعدها بسنوات فر العفيف الأخضر إلى الخارج، وانقطعت عني أخباره، ولم ألتق به إلاّ في مطلع الثمانينات. وقد أحزنني موته كثيرا. وأنا أعتبر كتبه من أروع المؤلفات العربية في المجال الفكري”. تجربة كتابة في مطلع الستينات من القرن الماضي، أصدر حسن نصر مجموعته القصصية الأولى، وكانت بعنوان “ليالي المطر”. وحال صدورها أثارت هذه المجموعة إعجاب القراء وتقدير النقاد. فقد تمكن حسن نصر من أن يعكس من خلال قصصه الشيقة والممتعة، المكتوبة بلغة مكثفة، وبأسلوب بديع، التحولات الصغيرة والكبيرة التي كان يمر بها المجتمع التونسي في السنوات الأولى من الاستقلال. أبطالها بسطاء يعيشون الحيرة والتمزق والخوف أمام التغيرات المتسارعة التي تحدث في حياتهم، ومثقفون مهمشون ومعقدون، وفاقدون للبوصلة. ونساء لا يزلن مترددات في الدفاع عن حقوقهن، وشبان مشردون وضائعون في مدينة “بلا قلب” بحسب تعبير الشاعر المصري أحمد عبدالمعطي حجازي. وكان على حسن نصر أن يترك مهنته كمعلم في المدارس الابتدائية ليسافر إلى بغداد قصد استكمال تعليمه العالي. وفي بغداد مكث ثلاثة أعوام، ثم عاد إلى تونس من دون أن يحصل على شهادة الماجستير. فقد كان العراق في تلك الفترة يعيش اضطرابات سياسية واجتماعية في غاية الخطورة. وكان الصراع على أشده بين مختلف القوى السياسية وخصوصا بين البعثيين والشيوعيين.حسن نصر أراد من خلال روايته الأخيرة أن يحيي النساء التونسيات اللاتي أظهرن شجاعة مدهشة خلال السنوات الأخيرة ولم يتحمل نصر تلك الأوضاع، لذلك اختار العودة إلى تونس ليعمل أستاذا في المعاهد الثانوية. ومن جديد، شرع في نشر قصصه في جريدة “الصباح” وفي مجلة “الفكر”. وجميع هذه القصص لم يكن حجمها يتجاوز الصفحة الواحدة. ويقول حسن نصر “كانت لي رغبة شديدة في أن أجرب كتابة القصة القصيرة جدا كما فعل كبار الكتاب من أمثال تشيكوف وهمنغواي. ولعلي أفلحت في ذلك. وفعلا حازت تلك القصص على إعجاب وتقدير النقاد والقراء مثلما كان الحال مع قصص مجموعة ‘ليالي المطر’”. وفي الثمانينات من القرن الماضي، أصدر حسن نصر روايته الأولى، وكانت بعنوان “دهاليز الليل”. وهي تعكس تجربته كمدرّس في مدينة المهدية حيث عاش أعزب، مقطوعا عن الحياة الثقافية في العاصمة. بعدها أصدر نصر روايته الثانية “دار الباشا” التي يصف فيها بدقة الحياة اليومية في الجزء العتيق من العاصمة، مستحضرا ذكريات طفولته ومراهقته عندما بدأ يعيش قصص الحب الأولى مع بنات الحي. في روايته الثالثة “ما أجمل البحر”، يستعرض نصر أحداثا مهمة سبقت سقوط نظام زين العابدين بن علي. وفي روايته الأخيرة يعود إلى العهود الرومانية ليرسم لنا صورة مؤثرة عن الصراع بين القرطاجيين والرومان من خلال شخصية المحارب صدر بعل. فعندما أراد هذا الأخير تسليم نفسه للرومان بعد أن أضنته المعارك المتتالية، قالت له زوجته “أنت الرجل تسلم نفسك للعدو، أما أنا المرأة فأفضّل أن ألقي بنفسي في النار”. ويقول نصر إنه أراد من خلال روايته الأخيرة هذه أن يحيّي النساء التونسيات اللاتي أظهرن شجاعة مدهشة خلال السنوات الأخيرة خصوصا عندما حاولت حركة النهضة سلبهن حقوقهن وحريتهن.

مشاركة :