تنتاب أوروبا على وجه الخصوص مخاوف من تداعيات سلوك الحكم الجديد في أميركا اعتماداً على المؤشرات الكثيرة التي أسفرت عنها الانتخابات الرئاسية الأميركية. ومن أبرز هذه المؤشرات الرغبة الأميركية في تغيير نظام العلاقات القائمة أو التقليدية بالعالم، وخصوصاً بأوروبا، الحليف القوي لها. فالأميركيون في العهد الجديد لا يريدون فقط تغيير علاقاتهم بالآخرين، وإنما السعي للخروج من المفهوم الأزلي في أن أميركا «حارسة العالم»، والمدافعة عن حقوق الآخرين، ومحاربتها للديكتاتوريات بهدف تعزيز الديموقراطية والسلام. إن الاندفاع نحو تغيير اتجاه السفينة الأميركية نحو تثبيت مبدأ الانعزال أو التعاون المحدود بما يحقق المصالح الأميركية دون غيرها، وخاصة الاقتصادية يراه الكثير من المحللين الاستراتيجيين بأنه انعكاس طبيعي لأسوأ حالات الانقسام في الداخل الأميركي منذ الحرب الأهلية. وقد صرح بذلك السياسيون منهم هيلاري كلينتون نفسها بأن معركة الرئاسة عبرت عن «انقسامات عميقة» في المجتمع الأميركي. فما كانت تدعيه أميركا من مبادئ أو ثوابت كالعدالة، وحقوق الإنسان، والديموقراطية والسلام وغيرها لم تعد لها مكانة في الشأن الأميركي. فهذه أصبحت اليوم في خبر كان بعد أن سادت الكراهية للآخرين من الأقليات والمهاجرين، وتمزق النسيج الاجتماعي لدرجة أن دونالد ترامب بعد فوزه أصبح ينادي بضرورة توحيد الأمة الأميركية ونبذ النزاعات. ولم يتوقف الأمر على الداخل الأميركي المضطرب وإنما أيضاً الدعوة للعمل على عزل أميركا عن العالم، وبأن أي علاقة بدول الحلفاء لها ثمن، ولن تكون كما كانت، وخاصة الدعوة للانسحاب من أوروبا أكبر حليف لأمريكا على مر العقود. مؤشر كهذا يعكس أن زاوية انحراف العلاقة الأميركية - الأوروبية ستكون منفرجة وليست محدودة المجال أو قابلة للمساومة من دون تغييرات أساسية. إن السير في الانفصال عن العالم ليس هو الطريق أو المبدأ الذي سار عليه وودرو ويلسون، الرئيس الأميركي الذي أعلن الحرب على النازيين من أجل حماية أوروبا والعالم، وأن أميركا يجب أن تظل راعية للسلام والعدالة. لا شك أن العهد الجديد للإدارة الأميركية سيشهد صعوبات بالغة في معالجة كل الملفات في إطار الرؤية الجديدة التي قد لا تنسجم مع الظروف المأسوية التي يعيشها العالم من حروب، وأوضاع اقتصادية متدهورة، وتوترات ليس من السهل تجنبها. لكن هذه الملفات أيضاً تحتاج إلى تفاهمات بين الإدارة السياسية والكونغرس، وخاصة أن غالبية أعضاء الحزبين، الديموقراطي والجمهوري في الكونغرس يجدون في العزل الأميركي عن أوروبا أضراراً بالغة على المصالح القومية الأميركية وليس فقط على أوروبا والعالم. ومع ذلك لا أحد يعرف على وجه التحديد كيف ستكون سياسة ترامب القادمة؟ هناك آراء ترى أن مقولات ترامب كمرشح ستكون مختلفة مقارنة كونه رئيساً لأمريكا ومحاطاً بالمستشارين والمؤثرين من الحزب الجمهوري الذين لهم تجاربهم العريقة في مجال حماية المصالح الأميركية في العالم. فالتيار اليميني الذي ساهم في نجاح ترامب هو الآخر سيعمل على خلق قدر من الاعتدال والتوازن في السياسات الخارجية الأميركية التي تعين ترامب على التغلب على الكثير من الصعوبات في الداخل والخارج رغم قلق قادة أوروبا من القفزة في المجهول الذي قد يتجه إليه ترامب، لهذا فإن المرحلة القادمة تتطلب في نظر هؤلاء القادة «التفاؤل الحذر»، والانتظار لاستجلاء الخفايا، وكيف ستصير إليه الأمور... yaqub44@hotmail.com
مشاركة :