الإسلام والمال العام - مقالات

  • 12/1/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يُحكى أن عمرو بن العاص كان يجني من مصر سنويا 14 مليون دينار ضريبة رؤوس، هذا عدا عن خراج الأرض، ويحكى أن عثمان بن عفان أقطع قرى بأكملها لمجموعة من الصحابة، مثل عثمان بن عمار بن ياسر أهداه قرية في الكوفة، وأقطع سعد بن الوقاص قرية في هرمزان، وأقطع خباب بن الارث قرية في صنعاء، وكان نظام توزيع المال يتم على زوجات الخليفة والأقرباء والمهاجرين والأنصار والمحاربين النظاميين والمتطوعين، وكانت قريش هي المستفيدة الأولى من نظام توزيع المال الذي كان يذهب أغلبه إلى خزينة الدولة الإسلامية، وليس إلى أفراد، مما أحدث في المجتمع الإسلامي طفرة اقتصادية واجتماعية كبيرة. ومع انتشار الإسلام في كل بقاع الأرض عن طريق الفتوحات الإسلامية، تمت هيكلة الدولة الإسلامية في شكلها الكلي، وانتقل المجتمع الإسلامي من مجتمع قائم على التجارة والزراعة إلى مجتمع منتج بالحروب والفتوحات معتمداً على اقتصاد الحرب، وظهرت طبقة من الأغنياء الذين اغتنوا من الفتوحات، وكان من أبرز التأثيرات الاجتماعية أن تلك الفتوحات جعلت التزاوج بين المسلمين وجواري الروم والفرس والبيزنطيين شائعاً، ما ساهم في تشكيل جيل جديد متعدد الثقافات. كان الهدف: نشر الإسلام، والربط بين الفتح وتوطين العرب في الأراضي الجديدة، وإقامة مجتمع عربي إسلامي يعيش من ريع الأوطان المفتوحة من دون المساس بجوهر تلك المجتمعات، وأصبح المال الإسلامي يعتمد على اقتصاد أراضي الفتوحات. يقول الصادق النيهوم في كتابه «الإسلام في الأسر»: بأن الإسلام قد استعاد الصيغة الإدارية الصحيحة لتنمية رأس المال، وسمي المال العائد كله مال الله ليدخل في خزينة الدولة الإسلامية (بيت المال)، وليتم توزيعه كما جاء في القرآن على «الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل»، ومن دون تفريق في اللون أو أو العرق أو الجنس أو الدين، وقد فرض الإسلام الزكاة باعتبار حتى الأموال التي يحصل عليها الفرد هي من مال الله، لذا يتوجب عليه دفع نسبة منها لينتفع منها المجتمع بأسره في أعمال الخير. لذلك يمكن القول إن الاقتصاد الإسلامي مزج بين الرأسمالية، من حيث حماية حقوق الفرد والملكية الخاصة، وتقديس العمل وعبادته، والسعي من أجل الرزق الحلال والتجارة الشريفة، من جهة، فكل بحسب جهده وعمله، وبين الاشتراكية من جهة أخرى، من حيث عدم إغفال حقوق كل الفئات وخاصة الطبقات المحتاجة في المجتمع، فكل بحسب حاجته، عن طريق الزكاة كركيزة أساسية من فرائض الإسلام. ولو طبقنا عمليا في دولنا ومجتمعاتنا العربية والإسلامية هذا النموذج في المزج بين الرأسمالية والاشتراكية، لاستطعنا أن نحل الكثير من المشكلات الاقتصادية العالقة. ونأتي على ذكر تجربة حديثة ماثلة أمام الأعين، هي التجربة الماليزية الناجحة، لكن ماذا عن الفساد؟ تجربة ماليزيا مهددة بالفشل بفعل الدودة اللعينة التي اسمها الفساد، فمنذ أن تنحى رئيس الوزراء السابق مهاتير محمد، حتى بدأ الفساد يتسلل تدريجيا للاقتصاد الماليزي. إذاً الفساد هو مربط الفرس، وقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعده الخلفاء الراشدين مساوئ الفساد وكيفية محاربته، وكثيرة هي الأحداث التاريخية التي تروي مواقف النبي والصحابة من الفساد. ويحدثنا التاريخ إن أكثر الخلفاء بأسا وجرأة في محاربة الفساد كان عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، لذلك استطاع أن يقيم العدل في أرجاء المعمورة كلها، وسمي بالفاروق لحزمه في التفرقة بين الحق والظلم وعدم تردده في الحق مهما كانت النتائج، فلا يخاف في الحق لومة لائم، لذلك في عهده انتشر الإسلام أضعافا مضاعفة، وبسط هيمنته على رقعة واسعة من العالم، وأصبح قويا ومهابا. وما ان بدأ الفساد يستشري ويتغلغل في مفاصل الدولة الإسلامية حتى بدأت في التراجع والتدهور والانهيار. الفساد، وما أدراك ما الفساد، لو استطعنا فقط محاسبة من تسوّل له نفسه بممارسته بشكل علني أو غير علني لا بأس، لتمت السيطرة عليه نسبياً، ولازداد مدخول الدولة أضعافا مضاعفة، شرط أن يُصرف هذا الدخل في مشاريع تعود بالفائدة على غالبية الشعب، ولكي يستفيد منها الناس جميعا، لا أن يتم احتكار المال والأرض والبحر في أيدي قلة من الناس المتحكمة في مصائر البشر. أين الإسلام والمسلمين من الفساد؟ ما نراه على أرض الواقع مهول يعجز العقل عن استيعابه، حجم الفساد مهول وانتشاره أكثر هولا، وكمية الأموال المسروقة تفوق الخيال، في كل أصقاع الوطن العربي والإسلامي، يزيد كفة هنا وينقص هناك، والسبب كما يقول الشاعر العراقي ابن التعاويذي (1125-1187م): «إذا كان رب البيت بالدف ضاربا فشيمة أهل البيت كلهم الرقص». aalsaalaam@gmail.com

مشاركة :