رؤية فنية\ بقلم:شاهر النهاري \ بسمات حزينة

  • 12/2/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

حين تتلاقى ينابيع عبقريات المشاعر، فلا بد لها من تفجر شلال إبداعي يبقى جارياً صافياً، مهما مرت عليه السنون، ويزداد طعمه تعتقاً بتكرار سواقي من يجربون مجاراته في مدى سلسبيل روعته، وقد يتواصلون مع بعض لذته، وقد لا يصلون. وتلك حكاية قد شهدناها ماثلة أمامنا، وشربنا من منابعها حين تناغمت كلمات الشاعر ميشيل طعمه، ذلك الشاعر، الذي أغنى الفن العربي بغزير كلماته، على قدر ما كانت أضواء الشهرة تغترب عنه، فيعرف ما معنى ظلام الفقد والبعد عن الحبيب، ويصوغ قناديل كلمات الحنين، التي حركت مشاعر أبو التائهين الأكبر عن أراضيهم، وعن ثراهم وعن صخور جبال محبتهم، التي اضطر لهجرانها، وهجران طفولته فيها، طمعاً في لفحة انطلاق وحرية، تنعم بها نسمات نهر النيل على وجهه الحزين. إنه فريد ألحان التميز، أطرش الأذن عن إصدار أو استقبال أو ترديد أي هبة نشاز يمكن أن تهز جمال وعمق وثقة مشاعره. ويختار الأطرش فريد الصوت المجلجل العظيم، النهر الصافي، المتدفق من قمم جبال نقاء الحب، والذي لا يهيل إلا شلالات صدى الأيام، وهي تدندن على شجي وجمال وقوة رجع صداه. ثلاثتهم كانوا ينوحون شجناً، وهم ينسجون معاني المأساة، ويرددون بصيغة الحنين للحبيب الغائب عن الأرض الطيبة وبعبارات شامية: على الله تعود على الله، يا ضايع في ديار الله. ثم تتضح معالم النواح في ثنايا الصوت الصافي: من بعدك إنت يا غايب، ما لي أحباب غير الله. .مشاعر تشطب صرخات الأحبة العابرين، أو قل مُدّعيي الحب، أو من تكون محبتهم متلونة مزيفة لزجة، لا تستقر على خشبات مراسي الحب، حول رمال شواطئ بحر الحياة المتقلب. إيمان بمحبة الخالق، وبكونه هو الوحيد من يفي بعهود محبته، ومن يستمر، مهما تخالفت الرؤى وتباعدت المواني. وتتعانق الأوتار مع الأحاسيس على مقام الراست واصفة الحال: يا اللي مرمرت زماني. وتسأله باستغراب: كنك بطلت تهواني. ويبحث عن الحل الأمثل لتلك الحالة، ولمثل من عرف البعد وشقي به عمراً طويلاً، وأصبح يرتضيه، بل إنه يقترحه: ارجع يا حبيبي وانساني. ويتشبث بأمل مستحيل: حيالله تعود، حيالله. ثم تعود العواطف للترجي والخضوع لفرط جموح الاحتياج: يا أبو الأحباب لاقيني، من بعد غياب هنيني، حاجي من دموعي تسقيني، نشفت دموعي، أي والله. وتهيج حالة اللحن والمشاعر والصوت، فيحتاج الفريد أن يخرج إلى صيغة لحن العتابا، والتي تسمح للصوت الهائج بالتمرد، والتعبير بقوة موال الشجن: على الله تعود بهجتنا والفراح. وهنا يتلاعب بالكلمة الأخيرة، فلا نعود نعرف هل هي الأفراح، أم أنها (ولف راح). ثم يتبسم، وعينه تلمع بالأمل: وتغمر دارنا البسمة والفراح. قضينا العمر ولف ضل، وولف راح، وضاع العمر هجران وغياب. وينثني بنغم ريشته ليكمل الصورة المعبرة بالمقطع الثالث، وبتأمل في وعد من الخيال: لو جاني يوم مرسالك، وطمني يوم عن حالك، لطرق الأبواب كرمالك، وأسجد على أبواب الله. أغنية ستبقى رفيقة وليفة لكل غائب عن حبيب مسافر، ولكل مغترب عن أرض، ولكل من يشعر بأن الحبيب، حتى ولو كان لصيقاً له، يغترب عنه في جفاف المشاعر، وفي بلاد الغيب. الثلاثة المبدعون رحلوا عنا، ولكن عملهم ظل يساهر القلوب العاطفية المؤمنة، ويحمل الهموم، ويشعل الود الخابي بين الضلوع، ويرسم لنا بسمات حزينة، كحزن الفريد، الذي زرعه على أوتاره الستة، وهو يدندن لربيع الجمال الصافي الحزين.

مشاركة :