اضطرابات متداخلة تنسج الحراك التشكيلي للبنان المأزوم بقلم: ميموزا العراوي

  • 12/16/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

المعارض التشكيلية هذه السنة، وهو حضور سرديات بصرية تتناغم مع منطق التحرر أو النجاة من ثقل الألم الذي سببته أزمات البلدان لأهلها، أمر يحاذي مبدأ قدرة الفن على مساعدة الفنان على تخطي المآسي بطريقة إبداعية. جاءت بعض النصوص تنكأ الجراح لكي تخرج منها سمومها، ونذكر منها الأعمال الفنية التي قدمها الفنان اللبناني عبدالقادري تحت عنوان “يا بحر”. لم يناج الفنان البحر، كما يشير العنوان، بقدر ما غمز من قناته بسوداوية ساخرة تمسّ سطحه المكدّر بأمواج غير بريئة، وكذلك عمقه الذي ابتلع الآلاف من القصص الشخصية التي تخص المهاجرين الذين عبروا ولاقوا حتفهم بين طيّاته، دون أن يلمحوا أثرا للنوارس الشاحبة، والتي شهدت بمرارة تفكك أحلامهم بالنجاة منه. قوة تقنية تنهل من التجريب الفني العربي أما الفنان عمر فاخوري فقدم معرضا ضم لوحات تصور قواعد حجرية أو أسمنتية، صُنعت لكي تحمل في الساحات العامة أنصابا تذكارية “لرجالات” شاركوا في تشكيل وجه لبنان الحديث، ولكن لا يزال معظم اللبنانيين يختلفون في ما بينهم حول عظمتهم أو حول مدى تجريمهم أو احتقارهم لهم. ليست لوحات الفنان أضرحة للذاكرة فقط، بل هي أيضا صروح للفراغ وتصوير لسلسلة من تمارين لا تنتهي، هدفت ولا تزال إلى اجتراح معنى واحد قد يتفق عليه وطن ما انفك يُدمّر ويُعيد تشييد ذاته من دون الوصول إلى قرار.إلى جانب المعارض التي نكأت الجروح لكي تنظفها من آثامها، هناك معارض فانتازية متوردة هي نصوص حميمية اعتمدت على الذكريات الحلوة قبل أن يحدث ما حدث. ونذكر من تلك المعارض، معرض الفنانة العراقية ليلى كبة كعوش “بعيدا عن الشاطئ”، وقد نظم هذا المعرض بالتزامن مع أمسية شعرية وفاء لروح الشاعر الفلسطيني محمود درويش، وكادت تكون قصيدة الشاعر محمود درويش المعنونة “حنين” الوتر الرئيسي الذي عزفت عليه مقطوعاتها الفنية/ البصرية. ليس المهم إطلاقا معرفة أي نص بنى “ذاته” على الآخر، ثمة مدّ وجزر بين الاثنين لا يتأثران بحركة قمر عادي، بل بتقلبات أقمار عدة في سماء حالة الفقد التي اختبرها الاثنان، وإن بأشكال مختلفة، حالة فقد تعاطى معها الاثنان على أنها موطن بديل ليس للأوطان فحسب، بل للمغادرات الكبرى. نذكر أيضا في هذا السياق الفانتازي الفنان التشكيلي الفلسطيني محمد جحا الذي استطاع أن يخلق إشكالية للعلاقة بين الأرض والإنسان، وهي إشكالية لصيقة بذاكرة وحاضر الشعب الفلسطيني عبر استيلاد ولو بشكل مؤقت، وحتى إشعار آخر، عالما موازيا تتنازعه الأحلام والكوابيس، وهو في قدرية العوم الخطر والبطولي فوق عالم واقعي غارق في العتمة. يبقى أن يلحظ المهتم بالحركة التشكيلية خلال هذه السنة أن تحت طبقات التيارات الفنية التي برزت في المعارض حراكا جنينيا لولادة جديدة، لما جرى على تسميته بالـ”هيبر رياليزم”، كيف لا والواقع بات خياليا وأكثر جنونا من أي نص فني يعتمد على الترميز أو الفانتازيا. :: اقرأ أيضاً عام ثقافي سعودي: الخطوط الحمراء ماتزال قائمة المبادرات الخاصة عنوان عام من الثقافة في البحرين لبنان يكرس الصورة الفوتوغرافية الراصدة لكيمياء العالم

مشاركة :