محمد الميلي- صديق الثقافة الكويتية- في كتابه «- حق المعرفة وحق الأم» قرأنا له كلاما رائعا عن شخصية كويتية بارزة تحت عنوان «الأستاذ عبد العزيز حسين مفكر عملاق من الكويت وراع للثقافة العربية»، حيث يقول: «فالأستاذ عبد العزيز حسين، كما يعرف عارفوه، شخصية متعددة المواهب غزيرة التفكير، ذات عطاءات عديدة ومتنوعة: فقد أسهم في بناء عدد من المؤسسات سواء في وطنه الكويت أو في إطار العمل العربي المشترك، كما ساهم في بناء الثقة بين الكويت ومحيطها العربي – الإسلامي، وكان له فضل المشاركة في توسيع مفردات اللغة العربية وتعميق الفكر العربي، زيادة عن إسهاماته في مجالات التعاون الثقافي والدولي».ا.هـ أما عن مساهمة الدكتور محمد الميلي في المشهد الثقافي الكويتي؛ يقول: «عندما قررت الاستجابة للطلب الذي جاءني من الدكتور سليمان العسكري متصلا بالمشروع الذي تعتزم(دار سعاد الصباح للتنمية الثقافية )تنفيذه عن(رجالات العرب البارزين)ومن ضمنهم الأستاذ عبد العزيز حسين، رَجـَعـَتْ بي الذاكرة نحواً من ربع قرن إلى الوراء عندما قمت بأول زيارة للكويت في يناير 1970، وكانت تلك بداية تعرفي على منطقة الخليج في الوقت نفسه... لم أكن أعرف آنذاك عن الكويت، إلا ما كان يصلنا خلال الكفاح المسلح في الجزائر من أنباء عن مظاهر التضامن مع الثورة الجزائرية، سواء اتخذت شكل مظاهرات طلابية أي مظاهرات شعبية أوسع، أو دعما بالسلاح والأموال»ا.هـ الميلي مفكرا: لقد فطن محمد الميلي إلى المؤامرة التي تحاك ضد العالم الثالث في ليلة ظلماء، قائلا:«إن الهجمة الواسعة التي تشن ضد العالم الثالث والتي اتخذت طابعا فكريا وسياسيا وتاريخيا خلال السنوات الأخيرة، قد تبدو للبعض (طفرة) مرحلية، وشطحة فكرية من تلك الموضات التي يتحفنا بها الغرب من حين لآخر. لكننا عندما نتتبع بدقة المواقف العملية للغرب في مواجهة العالم الثالث، ونحاول قراءتها على ضوء تلك الكتابات نجد أن الأمر أخطر من أن يكون مجرد طفرة ستزول بعد حين»ا.هـ. ويحذر محمد الميلي الإعلام العربي قائلا:«ويتضح مدى التحدي الذي نواجهه نحن أبناء العالم الثالث أمام الهجمة التي أشرنا إلى بعض مظاهرها، إذا نحن أخذنا في الاعتبار حقيقة مزدوجة، تتمثل في تلك الشبكة المعقدة والواسعة والمحكمة من أجهزة الإعلام المسخرة لخدمة توجهات الغرب، وتعزيز تسلطه الفكري بأساليب متنوعة جدا و ذكية، وهذا في نفس الوقت الذي يفتقد فيه العالم الثالث إلى وسائل مماثلة تقف في مواجهة تلك، وتتصارع معها صراعا غير متكافئ».ا.هـ الميلي منظرا: وفي قراءة ذكية للدكتور الميلي يضرب لنا مثالا رائعا وجد حيوي قائلا:والحقيقة أن الهجمة التي برزت أخيرا ضد العالم الثالث ليست جديدة كما أشرنا إلى ذلك قبلا؛ ولكن الجديد فيها هو بعض مظاهرها فقط؛ فكاتب المقال الذي ظهر في صحيفة (لوفيغارو) بتاريخ 27 أفريل 1987.. إذ يدعو إلى«تجردنا من العاطفة»إزاء الاستعمار وتاريخه، يحاول إقناعنا عبر كاتب اجتماعي أميركي وضع في 1986، كتابا عن الإمبريالية، بأن هناك نوعين من الإمبريالية...«إمبريالية تؤدي إلى التقهقر والتدهور»، لأنها «تقوم على النخب، وتحقيق الربح في المدى القريب، مثل أسبانيا والمغول...»وإمبريالية أخرى تحقق التطور، وتحرص على رفع مستوى حياة السكان، مثل روما، بريطانيا، فرنسا، هولندا. إن هذا الطرح يستدعي ملاحظتين اثنتين: الأولى«لماذا يحرص هذا المنظر الفرنسي بأن يستشهد بكاتب أميركي؟ الجواب واضح، لأن لويس فيرير وهو الكاتب الأميركي المذكور، يضع فرنسا في صنف الإمبرياليات التي تحقق الرقي والتقدم. ونظرا إلى أن عقدة الاستعمار الفرنسي تأتي من الجزائر خاصة، فإن ذلك من شأنه أن يجعل فرنسا مشمولة بالتوبة حتى في ما يتعلق باستعمارها للجزائر. أما الملاحظة الثانية فهو سكوت كاتب مقال (لوفيغارو) عن ذكر فلسطين... على الرغم من تعرضه لإدانة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان: ما هو تفسير السكوت عن ذكر إسرائيل في مجال الحديث عن الإمبرياليات والاستعمار».ا.هـ محمد الميلي في سطور: هو محمد بن مبارك الإبراهيمي الميلي «مجاهد ومناضل، ساهم بإصدار مجلة المجاهد وأصبح مديرها العام، مؤسس جريدة الشعب باللغة العربية 1962، مدير مدرسة الصحافة، مدير الأخبار في وزارة الإعلام، مدير وكالة الأنباء الجزائرية، له عدة مؤلفات في التاريخ والدراسات الفكرية ومقالات سياسية وثقافية، منها: المؤتمر الإسلامي الجزائري، الشيخ مبارك الميلي حياته العلمية ونضاله الوطني، حق المعرفة وحق الأمل. عمل مستشار الرئيس الجزائري السابق/ هواري بومدين، نائب بالمجلس الشعبي الوطني، عضو في اللجنة المركزية لجبهة التحرير الوطني، سفير للجزائر في مصر واليونان، سفير مندوب دائم للجزائر في منظمة اليونسكو، وعضو مجلسها التنفيذي، وزير التربية الوطنية، مدير عام المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ( 1993 – 2000 ). تحصل على وسام الاستحقاق الوطني 1984. وافته المنية في اليوم الثامن من ديسمبر 2016م، وشيع جثمانه في الجزائر يوم 10 ديسمبر 2016م، عاش علما بارزا وقامة سامقة، ومات شامخا أبيا، رحم الله فقيد الجزائر أرض الأبطال، وفقيد الأمة العربية والإسلامية، وفقيد العالم الواعي والمثقف بأسره، رحم الله العالم والمثقف والمفكر والمنظر/ محمد الإبراهيمي الميلي، وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله الصبر والسلوان، إنا لله وإنا إليه راجعون. نهدي هذه كلمات لروحه الطاهرة الزكية: جزائريٌ... رافـعٌ رأسـي للعـلا جزائريٌ... ملأت بطولاتي الدنا جزائريٌ... باركـتني يدُ السـما جزائريٌ... وافتخـر كـوني أنا... جزائريٌ * كاتب وباحث لغوي كويتي fahd61rashed@hotmail.com
مشاركة :