رامي العاشق: الإنسان أهم من المدن وأقدم وأبقى بقلم: عبدالله مكسور

  • 1/7/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الشاعر السوري الفلسطيني رامي العاشق الذي يكتب للآخر، انطلاقا من الثقافة العربية كي يدفعه إلى الاكتشاف والتخيّل، العرب استضافت العاشق وكان هذا الحوار بمناسبة صدور كتابه الأخير مذ لم أمت. العربعبدالله مكسور [نُشرفي2017/01/07، العدد: 10505، ص(15)] الشعر شعر بأي لغة كان يقول رامي العاشق في كتابه “مذ لم أمت”، الصادر مؤخرا عن بيت المواطن للنشر والتوزيع بدعم من جمعية مبادرة من أجل سوريا في باريس، “”أنا اللاجئ الذي ولد هنا، وابن اللاجئ الذي ولد هنا، ولم نعرف غير هنا مكانا لنا”، بين هنا التي تعني دمشق وكلمة “البلاد” التي يستخدمها الفلسطينيون عادة للإشارة إلى فلسطين الغائبة، وبين مكان إقامته الحالي في ألمانيا وعلى ضفاف كل هذه الجغرافيات المتعددة، الحاضرة والغائبة، نسأل ضيفنا رامي العاشق عن فهمه لثنائية “الوطن والوطن البديل” في ظل ما حملَه معه من هوية دمشق كمدينة وحاضرة، ليقول إنّ سؤال الهويّة والوطن لم يكن حاضرا في دمشق، إذ أن الحنين دائما ما يكون للمفقودات. وحين صار ضيفنا خارج الحدود السورية انتبه إلى أن فلسطين قريبة أكثر مما كانت عليه إلى أن وصل إلى ألمانيا وكُتب على وثائقه الرسمية “بلا وطن”. أثر الجغرافيا في ظل هذه التناقضات المختلفة، ينفي العاشق وجود وطن بديل، فهناك وطن واحد فقط كما يراه، إلا أن هذا الوطن متحوّل ومتنقّل ومتغيّر. ويستحضر الكاتب هنا قول أمير حداد، الموسيقار الذي يعيش في إسبانيا بعد أن ولد في ألمانيا لأب فلسطيني وأم كولومبية، فحين سألَه ضيفنا أمام كل هذه الهويات المركَّبة، “من أين أنت؟”، أجاب حداد، “أنا من المكان الذي أذهب إليه” وتطغى ملامح من السيرة الذاتية على حديث العاشق، حيث يمازج ويختصر في الكثير من القصص التي انعكست نثرا وشعرا على تجربته، ويقول “وُلِدتُ لأب فلسطينيّ سوري، وأم سورية، وعشت في مخيّم لم يعد موجودا على الخارطة الآن، هُجّرت من دمشق التي لا أعرف غيرها، ولم تعد دمشق التي أعرفها موجودة الآن، أنا أقرب إلى سوريا من فلسطين -حسب تعريفي للوطن بأنه الناس والذكريات- إلا أنّني رسميا بلا وطن، قد يحرّرني هذا من أزمة الهوية وسؤالها، وقد يكون إيجابيا أن أكون بلا وطن”. الشاعر يبني شعره ضمن ذاكرة المكان، فيمنح للمكان الجديد اللغة والمفردات والصور بدلا من أن يصادر وجودها منه يقول العاشق في كتابه الأخير “الكل متغير ولا ثابت إلا اللاجئ”، أي بمعنى أن الحقيقة في حد ذاتها هي نقطة متغيرة فينا ومعنا، ونسأله هنا عن الحقيقة الثابتة في الشعر لديه، ليقول إنَّ الحقائق غائبة وغير موجودة، وكل ما يتراءى لنا هو نسبي. الثابت أمامه اليوم أنَّ هذا العالم الذي يُنتِج الشرّ احترَف إعادة إنتاج اللاجئين أيضا في كل مكان وزمان. ويؤمن ضيفنا بأن كل ما هو انفعالي، ليس شعرا، وأن كل ما لا ينتمي إلى الموسيقى ليس شعرا، وأن كل هذا القبح المحيط بنا يؤذي الشعر، فمحركات الكتابة لديه، شعرا وسردا، تتنوَّع بحسب مصادرها المتنوعة في ما يحيط بها، ومن تلك التفاصيل يولد الشعر والأدب كما يراه. وفي كتابه “مذ لم أمت”، هناك سيطرة للعدمية واللاجدوى بين ثنايا النصوص، ونسأله عن سبب اختياره لهذه الثيمة كحامل موضوعي لمختلف النصوص بتنوُّع فضاءاتها، ليقول إنَّ اللاجدوى رافقته منذ سنواته الأولى. ويضيف أن العدمية لا تفرض نفسها على النصوص فحسب وإنما تمتد إلى الذات الإنسانية المُحبَطة. فالخوف من الموت هو الذي يدفع العاشق إلى الكتابة، والموت هنا يتعدد في معانيه ليتخِّذ أشكالا متنوعة بين السياسي والثقافي، الفردي والجمعي، ولكن الطريقة الوحيدة للانتصار على هذا تكمن في الكتابة كما يراها ضيفنا. وفي ديوانه “سيرا على الأحلام” هناك تقاطع واضح في ثيمات المرحلة التي أنتجت القصائد ومفرداتها، كالثورة، القتل والنزوح، الاغتيال والتهجير، ونتطرق مع العاشق إلى علاقته ببيئته ومدى انعكاس الجغرافيا المحيطة على إنتاجه، ليؤكد أن الجغرافيا لها تأثيرها الكبير على اللغة والمفردات والصور، ويمتد التأثير فيها حتى موسيقى اللغة. فشعر الشعوب الموزون، كما يراه ضيفنا، يقاس بمدركاتهم وبوسائل تنقّلهم، وبدعسات أقدام من يسيرون راجلين، وبإيقاع خيل لدى من يركب فرسا، وهكذا تكون للمنفى لغته أيضا ومفرداته ومدركاته. الأدب والأيديولوجيا أمام كل هذا يحاول العاشق أن يبني شعرَهُ ضمن ذاكرة المكان، فيمنح للمكان الجديد اللغة والمفردات والصور بدلا من أن يصادِرَ وجودَها منه. ويشير هنا إلى قيامه بتصدير قصائد للترجمة، مبنية على صور وانزياحات جديدة بالنسبة إلى الثقافة الأخرى، تكون مرتبطة ارتباطا جذريا بثقافة منطقتنا والميثولوجيا الخاصّة بها، وهذا ما يفتح أسئلة لدى الآخر، وهي كلها أسئلة تدعو إلى البحث والتعرّف كما يراها العاشق. تقاطع واضح في ثيمات المرحلة التي أنتجت القصائد ومفرداتها مع كتابة شعر التفعيلة اتجه رامي العاشق إلى كتابة القصيدة بالمحكية الشامية، فعن الإضافات التي منحتها إياه الكتابة بالعامية بخلاف الفصحى، وواقع هذه الكتابة ومستقبلها يقول إن أصل الشعر بالمحكيّة، وكانت العرب تقول شعرها بلهجاتها، قبل أن يأتي الإسلام ويجعل لهجة قريش هي العربية الفصحى، لا يهم هنا بحسب ضيفنا، مَن سبَق مَن، فالثابت أنَّ اللغة أداة الشعر والشعر يطلب لغته. ويقول ضيفنا إنَّه حاليا هناك حركة شعرية بالمحكيّة، يستطيع وصفها بأنها لافتة، وتحديدا شعر المحكيّة السوري، ليعلن عن قرب صدور ديوانه “لابس تياب السفر” عن الدار الأهلية ومؤسسة القطان، الشعر شعر، كما يقول العاشق، بأي لغة كان، وبأي شكل كان. ويكتشف القارئ في قصائد رامي العاشق أنَّ هناك صراعا في الهوية داخل الشاعر، ينعكس كملامح في النصوص، أحيانا تكون مباشرة وفي أحيان أخرى يلجأ إلى التلميح لها، ونسأله هنا عن فهمه “للهوية” في النص الأدبي، ليقول إنَّ هوية أي إنسان هي نتاجه ولغته. وبناء على ذلك يؤكد أنه لا يمكن لأي إنسان في العالم أن يكون بالفرادة المطلقة التي تعطيه صفة الأصالة عن النص الأدبي. وينطلق في هذا من فهمِه أنّ الإنسانية كلها بنيت على بعضها أو هدمت بعضها، ومن الطبيعي أن تتسرّب مدارك الآخرين وخيالاتهم إلى أي مشتغل في الحقول الإبداعية. في ظل الانقسامات التي تعيشها البلاد العربية اليوم، نسأل ضيفنا عن الأديب الذي يقع في الأدلجة، ليقول إن الأدب عدو الأيديولوجيا، الأدب حرّ، والأيديولوجيا سجن. المُؤَدلَجُون من الأدباء يخدعون الشعوب ويستعملون الفن لخدمة المنطلقات النظرية والفكرية، ويصفهم العاشق اليوم بأنهم حلقة في ماكنة الدكتاتور. فوظيفة الأدب كما يراها ضيفنا تتمثل في إعادة تقديم الحدث، لأن الفكرة بطريقة جمالية حرّة أكبر من تأطيرات الأيديولوجيا، وهي عمل جراحي دقيق يستعمل أدوات حساسة حادة ودقيقة كالسرد أو التكثيف والانزياح أو المحاكاة واللغة. والأديب قد لا يحمل السلاح أو حتى خرطوم مياه لإخماد نار المدن التي تحترق، بحسب ضيفنا الذي يرى أن الكلمة أقوى تأثيرا من كل هذا. فالإنسان عند العاشق أهم من المدن وهو أقدم منها وأبقى، وهذا لا تعرفه الأيديولوجيا لأنها غير مهتمّة بالعلوم الإنسانية ولا تعتبرها سامية بل تستعملها أيديولوجيا لمصلحتها. الأدب الجيّد عند ضيفنا يستعمل الأيديولوجيا في سياق أدبي، ويستعمل الأسطورة في سياق درامي، ويأخذ الحدث إلى مكان آخر. :: اقرأ أيضاً ترجمة جديدة لكتاب الاستشراق تعيدنا إلى جدل الشرق والغرب بطل ضد نفسه يستبدل لسانه بورقة وقلم طبيب نفسي يتحول إلى سيزيف جديد مريض نفسي يكتب مذكراته في مصحة الكوثر

مشاركة :