الصورة الصحافية في عصر الإرهاب مغامرة محفوفة بالمخاطر الظروف الأمنية المضطربة وتنامي التهديدات الإرهابية، أصبحا ذريعة للتضييق على المصورين الصحافيين، الذين صاروا معرضين لاتهامات لا حصر لها، بين التخطيط لعمل إرهابي أو مساعدة تنظيمات متطرفة، كلما كانت الصورة مهمة أو تحمل دلالات قوية، ولا سيما أن الصورة أبلغ من أيّ كلمة. العربأميرة فكري [نُشرفي2017/01/25، العدد: 10523، ص(18)] الصورة أبلغ من أي كلمة القاهرة - فرضت الحوادث الإرهابية التي تشهدها المنطقة، قيودا شديدة على مهنة التصوير الصحافي، وأصبحت محاربة الإرهاب وتجنب استهداف المنشآت والمؤسسات، ذريعة للتضييق من جانب أجهزة الأمن لمنع التصوير الصحافي، ولا سيما إذا كان التصوير قريبا من أماكن ومنشآت حيوية. لم يعد بإمكان أي مصور صحافي في بلد يحارب الإرهاب والتطرف وتزداد فيه معدلات الاشتباه بالأشخاص، أن يرفع الكاميرا بسهولة ليلتقط صورة لمكان أو مؤسسة، حتى لو كان هذا المصور حرًا أو هاويًا لفن التصوير، فمن الممكن أن تطاله اتهامات لا حصر لها، بين التخطيط لعمل إرهابي أو مساعدة تنظيمات متطرفة أو رصد أماكن حيوية تمهيدًا لاستهدافها لاحقا. وطالت التضييقات حتى الأماكن الدينية، حيث أضحى مجرد التقاط صورة لها بمثابة مغامرة غير محسوبة العواقب، فالزميل محمد حسنين، مصور “العرب” بالقاهرة، وفي أثناء سيره بدراجته البخارية بأعلى كوبري (جسر) السادس من أكتوبر في وسط العاصمة، توقف والتقط صورة لتلاصق كنيسة مع مسجد، ما يدلل على تلاحم الديانات في مصر، ثم رحل عن المكان، لكن فوجئ بأنه مراقب بكاميرات منتشرة بأعلى الجسر. ويروي محمد حسنين “فور نزولي، استوقفتني عناصر أمنية، حيث تم الإبلاغ بضرورة ضبطي سريعًا من قبل أقرب نقطة شرطية، وسألوني عن سبب الصورة ودوافعها وآلية استخدامها، وحتى بعد الإفصاح عن هويتي كمصور صحافي، تم إرغامي على حذف الصور كاملة من الكاميرا، وإلا سيتم اتخاذ إجراءات أمنية قاسية، فتمت الاستجابة للأمر بالحذف”. ويرى مراقبون أن هذه الواقعة أو غيرها، تكشف عن أن الصورة الصحافية في عصر الإرهاب أصبحت تُهمة ربما تؤدي بصاحبها إلى السجن، والحديث عن محاربة الإرهاب وتحصين المؤسسات من الاستهداف ضاعف من القيود التي تمارسها السلطات لمنع التقاط الصورة الصحافية، باعتبارها أهم من أي كلام يُكتب أو يُقال. المصور الصحافي يتحمل مهمة كبيرة وبالتالي أصبحت التهم الموجهة له جاهزة كلما كانت خطورة الصورة أكبر ويضيف المراقبون، إن الإرهاب منح السلطات الأمنية، حتى التي لا تعاني منه بقوة، مفتاح التضييق على المصورين الصحافيين على طبق من ذهب، وأصبحت شعارات محاربة التطرف والإرهاب وحماية الأمن القومي وعدم كشف الأماكن الحيوية وغيرها، شعارات يتم ترديدها وتقديمها كمبرر لكل من يعارض سياسة التضييق المفروضة على التقاط الصورة الصحافية، وهو ما منح ما يسمى بـ”المواطن الصحافي” رواجا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي. ويقول حسن مكاوي عميد كلية الإعلام بجامعة القاهرة الأسبق، إن محاربة الصورة الصحافية تأتي لعدة أسباب، أهمها أن لها أهمية كبيرة في الصحافة وهي أبلغ من الآلاف من الكلمات، والصور المعبرة تلخص الحادث، لذلك يخشاها الجميع، وخلال الفترة الحالية، خاصة في الدول التي تحارب الإرهاب، تستخدم الصور الصحافية من دون وعي ما قد يسبب مخاطر لأمن الدولة. وأضاف لـ”العرب” أن تخوفات غالبية المؤسسات الأمنية في أي بلد مشروعة، فهو لا يعرف هوية من يقوم بالتصوير ودوافعه الحقيقية، وحماية الأمن القومي تتطلب بعض التضييق، وبالتالي فإن اتباع المصور الصحافي للطرق المشروعة في التقاط الصورة أصبح فرضا في عصر محاربة الإرهاب، ومن الممكن بسهولة أن يحمل تهمة تهديد الأمن القومي، ولا سيما في المجتمعات التي تئن من التطرف. ولفت مكاوي، إلى أن البعض من المصورين الصحافيين يقومون بنشر صور تتنافى مع المعايير الأخلاقية وضد سياسة الدولة، وهو ما يسبب الضجيج ولا يكون في صالح الدولة وتؤثر على المجتمع في محاربته للتيارات الإرهابية، لذلك أصبحت هناك خصومة دائمة في مصر مثلا، بين المصور الصحافي والدولة، حيث لم يلتقِ الطرفان بعد ولم يتفقا على آلية عمل تحميهما وتنظم عملهما. ويرى عاملون في المهنة، أن المشكلة الأكبر تكمن في أن الكثير من النقابات الصحافية، لا تدرج المصورين تحت لوائها بسهولة، ما يضعف من حمايتهم في حال تعرضهم لمضايقات أو اتهامات تتعلق بمساعدة تنظيمات متطرفة أو إرهابية، وهو ما يجعل من الدفاع عنهم مسألة صعبة وإثبات عملهم الصحافي لعدم وجود ما يؤكد ذلك. وقالت هبة شاهين أستاذة الصحافة والرأي العام بجامعة عين شمس في القاهرة، إن المصور الصحافي عن حسن نية وبغير قصد من الممكن أن يساعد التيارات المتطرفة والإرهابية على خدمة أغراضها دون وعي منه، وهو ما تريد أي دولة، تجنبه حتى لو كان ذلك بممارسة ضغوط وقيود على العاملين في المهنة دون استثناء. وأضافت لـ”العرب” أنه للخروج من هذه الإشكالية، يتم التركيز على التدريب البشري بشكل محترف، والتمييز بين حق الجمهور وحق الدولة على المصور، بعدم التأثير على أمنها القومي، من خلال ما يقدمه ولو كانت صورة أو لقطة دون معنى، ولا سيما أن المصور الصحافي يحمل مهمة كبيرة وهي “الصورة”، وبالتالي أصبحت التهم جاهزة كلما كانت خطورة الصورة أكبر. وأشارت إلى أن تخوف الأجهزة الأمنية، قد لا يكون بسبب الصورة التي سوف تنشر في الصحيفة أو الموقع، بقدر التخوف من استخدامها على مواقع التواصل الاجتماعي واسعة الانتشار، ما يمنح بعض التيارات المتطرفة فرصة الاستفادة منها في رصد أماكن أو شخصيات، وبالتالي فإن الحكومات أصبحت تحارب صورة “السوشيال ميديا” أكثر من حربها لصور الصحف والمواقع. ويرى خبراء في المهنة، أن الظروف الراهنة وتنامي التهديدات الإرهابية، عوامل تحتم وجود تعاون وثيق بين المصورين الصحافيين وأجهزة الأمن المختلفة لوضع ضوابط محددة للمهنة وآليات العمل وتجنب الاستهداف العشوائي أو تلفيق الاتهامات، لكي لا تكون الحرب على الإرهاب ذريعة لإقصاء الصورة من المشهد الإعلامي كله. :: اقرأ أيضاً أوروبا تخشى تأثير الدعاية الروسية المضللة على مسار انتخاباتها الجزائريون مشغولون بفشل منتخب بلادهم على الشبكات الحوثيون ينهون الحياة المهنية لمئات الصحافيين اليمنيين المصريون يعيدون تعريف الثورة
مشاركة :