لم تكن جريمة شارع حمزة بالسويدي هي المأساة الأولى المصوّرة بوحشية لا تقل عن وحشية الجاني، وربما لن تكن الأخيرة، بعد أن تحوّل كل منا إلى محترف تصوير، الصورة أهم من إنقاذ حياة إنسان! لا نعرف من هو المتهم الذي نوجه إليه أصابع الاتهام بإصابتنا بهذا التبلد، ومن هو المسؤول عن ضخ هذه الكميات من الدم البارد في عروقنا وأعصابنا للدرجة التي يقف فيها شهود العيان يلتقطون الصور أو الفيديوهات بدلاً من إنقاذ الضحية؟! هل تتهم الفضائيات الإخبارية التي تنقل صور الدمار وأشلاء ضحايا كل هذا الذي يحدث في عالمنا العربي، أم أن الأجهزة الذكية وتوفرها وسهولة التقاط الصور من خلالها هي التي أصابتنا بهذا السعار لالتقاط الصور في لحظة كان يمكن أن تكون حاسمة في إنقاذ إنسان لو تخلى شهود العيان عن أنانيتهم وانحازوا لإنسانيتهم ودافعوا عن الضحية بهمة وشهامة؟! حادثة التحرش التي تعرضت لها طفلة المصعد هي أيضا كان يمكن تفاديها وحماية الطفلة لو تمكن الذي صوّر المشهد من الانحياز لإنسانيته وإنقاذ الطفلة من الذئب البشري بمجرد خروجه أمامه حتى لو كانت امرأة كامنة في مكان ما يمكنها أن تفعل شيئاً ما يغير الموقف لصالح الضحية، لكن للأسف الصورة أصبحت أهم من إنقاذ إنسان! مع ذلك لا يمكن إنكار ما للصورة من أثر فعّال في إحداث التأثير الحسي والعاطفي للمجتمع وردة فعل الجهات المسؤولة لاتخاذ الإجراءات الفورية دون أخذ ورد، بل فورا وبسرعة. أضرب المثل بحادثتين وقعتا الفترة الماضية، الأولى جريمة مكتملة في حق طفل يتيم يقيم في دار رعاية الأيتام بعسير، والحادثة الأخرى هي حادثة طفلة المصعد. مع أن القضية الأولى وأقصد بها قضية الطفل اليتيم الذي تعرض لاغتصاب أدى إلى معاناة الطفل من التهابات ودمامل استدعت ذهابه إلى الطبيب ليكتشف جريمة الاعتداء وتنتشر القضية في الصحف لكنها لم تنتشر على الواتس لتحدث هذه الهزة التي أحدثتها صورة الطفلة والذئب، بل عوملت بالأساليب القديمة التي تتعامل مع المواد الصحفية الورقية، تقارير وتصريحات متناقضة تدخل في باب العجائب والغرائب. كيف يكتشف الطبيب أن الطفل تعرّض لاغتصاب ثم يقرر هو أو الطبيب الشرعي بأن الاغتصاب لا يكتشف إذا مر عليه فترة زمنية طويلة، وكان ينبغي أن يُؤخذ في الاعتبار عنصر الخوف عند أخذ أقوال طفل صغير ويتيم، يعيش في دار رعاية، وتعرّض لانتهاك جنسي لأن الخوف يؤدي إلى الإنكار بالتأكيد. كيف لطفل صغير أن يكون به هذه الالتهابات والدمامل كما جاء في الخبر الأول وهل يمكن لطفل بهذا العمر أن يصاب "بناصور" كما جاء في الخبر الأول المنشور في الصحف لهذه القضية، وعلى ماذا بنى الطبيب المعالج تقريره إذا كانت جريمة الاغتصاب تندثر بالتقادم؟ لأننا أصبحنا أسرى الهواتف الذكية وبرامجها والواتس تحديداً انتفض المجتمع لمشهد الطفلة التي تعرضت للتحرش وهي عائدة من المدرسة تحمل حقيبتها على ظهرها وعصافير الأحلام تُحلِّق في رأسها ليس لأن ذئباً بشرياً سحق الأحلام وبراءة الطفولة، بل لأنه شاهد الصورة! هو هذا المجتمع الذي (لم يتعاطف مع الاعتداء الوحشي الذي ارتكب بحق الطفل اليتيم) سكت عن اعتداء وحشي ارتكب بحق طفل يتيم لأنه نشر في الصحافة الورقية التي لم تحدث التأثير النفسي والحسي الذي تحدثهما الصورة أو الفيديو الذي يصل بضغطة إلى كل الهواتف. لا أقلل من خطورة التحرش الذي تعرضت له الطفلة، ولكن أتساءل: لماذا تحظى حادثة بكل هذا الاهتمام بينما يتم تجاهل حادثة أفظع وأشنع ارتكبت في حق طفل في حماية دار الرعاية والمسؤولين والمسؤولات عنه؟! وكيف تحركت اللجان وعلى أي أساس تم القبض على الجاني إذا لم يكن هناك واقعة تستدعي كل هذا؟! الحقيقة أني تأثرت بمشهد الطفلة بين يدي الذئب البشري، لكني حزنت حزنا شديدا على هذا الطفل لأنه يتيم ولأنه يعاني من تبعات الاغتصاب والتلوث الذي ربما أحدث له هذه الحالة وحزنت أكثر لأن آخر خبر يشير إلى أن (الطفل ينفي واقعة الاغتصاب)! نعود إلى قضيتنا، وهي ظاهرة التصوير التي أصبحنا محترفون فيها للحد الذي أحدث هذا التغيير على سلوكنا، لم نعد نستمتع بمناسبة، ولا جلسة حلوة، في مطعم، في البر، في البحر، في كل مكان ترتفع أجهزة الهواتف تصور أصحابها، أو تلتقط صورا للمكان، للأصدقاء، وهذا ليس عيبا في ذاته، فتوثيق اللحظات الجميلة مهم لاستعادتها بالصوت والصورة لكن الوضع لم يصبح كذلك بل أصبح طاغيا على اللحظة والموقف والمناسبة. من ينشغل بأخذ الصورة عن طلب المساعدة لإنقاذ روح بني آدم ربما لا يهتم بالضحية بقدر تركيز الكاميرا عشان الصورة تطلع حلوة! nabilamahjoob@yahoo.com nabilamahjoob@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (27) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :