الكويتيات بين «أبغض الحلال» والعنوسة الاختيارية

  • 1/28/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

بين شبح «المطلقة» و«العانس» تقف الفتاة الكويتية على مفترق طرق، تراقب نظرة المجتمع إليها... أي اللقبين أخف وطأة من الآخر؟ بينما تحول الزواج في نظر بعضهن إلى أشبه بالهروب من العنوسة إلى صفوف المطلقات، حيث تحولت قداسة علاقة الزواج وعقد الأسرة إلى مجرد «ورقة» سهلة يمكن التفريط فيها بأي وقت، دون مراعاة حجم الخسائر الأسرية والأضرار التي تقع على المجتمع، لاسيما إذا نتج عن هذه العلاقة أبناء لا ناقة لهم ولا جمل في وقوع الطلاق. وأصبح تزايد نسبة الطلاق في الكويت، التي تحتل المرتبة الأولى خليجيا، والثانية عربيا، يدعو للقلق حول مستقبل كيان الأسرة وترابطها وتماسكها، ويدق جرس إنذار لمعالجة ظاهرة «أبغض الحلال» قبل استفحالها في المجتمع. ويعزو البعض الطلاق إلى حالة الرفاهية التي يعيشها الكويتيون، مما يدفع قطاعات من الشباب إلى استسهال الإقدام عليه، في حين يرجعه البعض الآخر إلى ارتفاع مستوى تعليم الفتيات ودخولهن في سوق العمل بقوة واستقلالهن المالي، مما أدى إلى التناطح بين الزوج والزوجة، ويرى فريق ثالث أن إدمان وسائل التواصل الاجتماعي أدى إلى غياب التفاهم وضعف التواصل والترابط الأسري. وكشفت الاحصائيات أن الأردن حل في المركز الأول عربيا بنسبة 2.6 في المئة لكل 1000 من السكان، والكويت ثانيا بنسبة 2.2 في المئة لكل 1000 من السكان، ثم مصر بنسبة 1.9 في المئة، ولبنان 1.8 في المئة، والجزائر 1.5 في المئة، والسعودية 1د1 في المئة، وسورية 1 في المئة، وقطر 0.8 في المئة، والبحرين 0.7 في المئة، وأخيرا ليبيا 0.3 في المئة. وتشير إحصاءات وزارة العدل إلى أن إجمالي حالات الزواج عام 2015 بلغ 15412، مقابل 7201 حالة طلاق تمت في نفس العام، وأن إجمالي حالات الطلاق في الفترة من يناير حتى أكتوبر 2016 بلغ 5971، أما حالات الزواج في نفس الفترة فبلغت 11453. كما توصلت دراسة لوزارة العدل عن أبرز الأسباب المؤدية للطلاق في الكويت إلى عدة نتائج، منها عدم تقبل الآخر، وغياب المودة، وضعف الحوار، والتغير في السلوك والتصرفات، والتساهل في الطلاق، وترك المنزل والإهمال، وتدخل أهل الزوجة في حياة الزوجين، إضافة إلى العنف والعناد. وعن تداعيات الطلاق على المجتمع، قالت أستاذة علم الاجتماع بجامعة الكويت د. مها السجاري إن وقوع الطلاق له تأثير سلبي على المجتمع، لأن الأخير مكون من أسر مترابطة فيما بينها، وبحدوث الطلاق يحدث التفكك لهذه الأسر ما يسبب اضطرابات اجتماعية عديدة، ويؤدي لتدمير حياة الوالدين والأبناء معا. وأضافت السجاري: "يمكن تحجيم ظاهرة الطلاق في المجتمع من خلال التنشئة الأسرية الصحيحة التي تعمل على تعزيز قدرة الفرد على تحمل مسؤولية تكوين أسرة، هذه التنشئة الصحيحة يجب أن تشمل الجنسين، لأن كليهما له دور في الحفاظ على البناء الأسري". وأشارت الى ان "غياب المسؤولية لدى أحد الطرفين يؤدي إلى فشل العلاقة الزوجية، كذلك تلعب التنشئة السليمة دورا كبيرا في إتمام النضج العقلي للزوجين، ما يساعد في عملية الاختيار الصحيح للطرف الآخر". الطلاق الوجداني وذكرت السجاري أن وسائل الإعلام التقليدية ووسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورا محوريا في الحفاظ على التماسك الاجتماعي، يتمثل في نشر الوعي بين أفراد المجتمع لكيفية الإعداد النفسي والاجتماعي قبل الزواج، إضافة الى بيان أفضل الوسائل والطرق لحل المشاكل الأسرية والقضاء على التفكك الأسري دون اللجوء للانفصال كحل نهائي. كما حذرت من ظاهرة الطلاق الوجداني التي تنتشر بين المتزوجين، حيث يصاب الطرفان بعزلة شعورية وغياب لروح المودة والتفاهم، وكثرة الخلافات، دون العمل على تفاديها، ما يكون مقدمة وسببا رئيسيا للطلاق الفعلي. وأكدت أن العنوسة أصبحت ظاهرة اختيارية عند الفتيات، وأنهن يفضلن عدم الزواج بسبب الاستقلال المادي وارتفاع المستوى التعليمي لديهن، موضحة أن هذا الارتفاع ينمي اعتقادهن بعدم قدرة الشباب على تحمل مسؤولياتهم الاجتماعية والاقتصادية. ناقوس خطر واعتبر المحامي عبدالله العتيبي أن معدلات الطلاق المرتفعة نسبيا تمثل ناقوس خطر حقيقيا يهدد الأسرة الكويتية، مبينا أن خلو مجتمع ما من الظواهر السلبية المعوقة يساهم في تنميته وتقدمه بشكل أسرع عن غيره من المجتمعات. وأضاف العتيبي أن نسب الطلاق المرتفعة بالكويت مقارنة بباقي دول الخليج تقلل من التماسك والانسجام في المجتمع الكويتي الصغير نسبيا، والذي يجب أن يتصف بالتلاحم والترابط كي يتمكن من مواجهة التحديات الداخلية والخارجية. وأكد الدور الكبير المنوط بالمكاتب المختصة بالصلح والاستشارات الأسرية في حل الخلافات الزوجية وتصفية النفوس تجنبا للانفصال، لافتا إلى أن أغلب العاملين فيها من النساء، وهو غير مناسب للعادات والتقاليد، لأن بعضهن لا يستطعن أحيانا التعامل بالشكل المطلوب في بعض القضايا، كالتي يرفض فيها الزوج وجود مصلحين رجال فضلا عن النساء، بسبب موروثات اجتماعية خاصة بالمجتمعات الشرقية، ما يتطلب وجودا قويا للرجال في مجال البحث الاجتماعي، وخصوصا فئة رجال الدين، لأن وجودهم ادعى للقبول لقدرتهم على تنمية الوازع الديني وبيان الحقوق الشرعية للأبناء والزوجين وحسن المعاملة إلى آخر القيم الطيبة التي أمر بها ديننا الإسلامي. محاولات الصلح وبين العتيبي أن مؤشرات عام 2015 شهدت تراجعا نسبيا في حالات الطلاق مقارنة بـ2014، مرجعا هذا الانخفاض إلى زيادة الوعي بين الكويتيين وتعزيز دور المحاكم في محاولات الصلح بين الزوجين، بسبب تعديل إدارات هذه المحاكم، كما أن القانون الجديد يساعد ويفتح مجالا أكبر للصلح بين المتقاضين. وشدد على أن القوانين الكويتية وبخاصة قوانين الأحوال الشخصية بحاجة إلى بعض التعديلات، لأنها قديمة ويجب تحديثها لتواكب التغيرات في المجتمع، مضيفا أن رفض مجلس الأمة مقترحا يلزم المقبلين على الزواج بالخضوع لدورات تثقيفية في مفاهيم الأسرة والارتباط يبدو طبيعيا إلى حد كبير. واوضح أن الإلزام في هذه الحالة غير مجد، ولن يحقق الاستفادة المرجوة، حيث إن المبادرة يجب أن تكون نابعة من داخل الطرفين لتعلم الأسس الصحيحة للحياة الزوجية المستقرة، كي يطبق المتعلم التعليمات والإرشادات التي تلقن له في حياته الزوجية باقتناع، كما أن مثل هذا المقترح يتعارض مع عادات وتقاليد الزواج في مجتمعنا. مشكلات نفسية وأفادت استشارية علم النفس الإكلينيكي بجامعة الكويت د. أمينة السماك بأن "عدم الزواج في مجتمعنا العربي يتسبب في مشكلات نفسية كالحزن والاكتئاب والتوتر والانكسار العاطفي واختلال في الهرمونات تظهر آثاره كحبوب على الوجه وضعف عام في الجسم، كما أن فطرة الله جعلتنا بحاجة بيولوجية للزواج لإخراج الطاقة التي بداخلنا". وأشارت د. السماك إلى أن لفظ "عانس" قاس جدا ومؤلم نفسيا للفتاة، ويجب استبداله بلفظ آخر أخف وقعا على النفس، كتأخر الزواج أو انتظار الزوج المناسب، مبينة ان الإنسان نفسيا وبيولوجيا بحاجة للزواج للتمتع باتزان نفسي وراحة بدنية، لاسيما في هذا العصر الذي تتزايد فيه الضغوطات ما يجعل الشخص بحاجة لشريك يعينه على مواجهة متطلبات الحياة. وأشارت الى أن سن الثلاثين هو السن المناسب للزواج، حيث تكون المرأة أتمت نضجها النفسي والفسيولوجي، ومتشبعة بالخبرات التي تمكنها من إقامة حياة زوجية ناجحة، وتتمتع بنضج هرموني وخصوبة عالية. وأكدت أنه لا يجب الانشغال الشديد بفكرة الزواج عن العمل والإنتاج، لأن الشخص الناجح يتكيف مع طبيعة حياته ولا يوقف تفكيره وقراراته على شيء واحد، ويهمل باقي جوانب حياته. ونصحت الفتاة بالتسلح بالعلم لبناء حياة عملية ناجحة، وممارسة النشاطات والهوايات المفضلة، والقيام بالأعمال التطوعية التي من شأنها أن تغير نظرة الشخص للعالم من حوله، بسبب ما يمر به من تجارب في هذا المجال، لأن هذه النشاطات ستجعل الشخص متزنا نفسيا وغير منغلق على فكرة معينة. تأخر الزواج من جهتها، ترى أستاذة علم النفس بجامعة الكويت د. نعيمة الطاهر أن هناك أربعة أسباب رئيسية لتأخر الفتيات في الزواج تتمثل في انشغال الفتاة بإتمام دراستها إلى نهاية المرحلة الجامعية، وأحيانا لما بعد المرحلة الجامعية، واهتمام الأهل الشديد بحسب المتقدم للزواج ونسبه وعدم الرضا إلا بمواصفات معينة، ووضع اشتراطات مادية عالية لا يقدر البعض على تلبيتها، واتجاه الشباب للزواج من أجنبيات تجنبا للتكاليف المادية للزواج من كويتية. الزواج السري ظاهرة «العنوسة» أو «العزوبية»، كما يفضل البعض تسميتها، أصبحت شبحا مخيفا تخشاه الكثير من الفتيات الكويتيات اللاتي تعدين سن الزواج المتعارف عليه، وهو سن الـ30 في المدن، والعشرين في المجتمعات البدوية والريفية حسب الأعراف المتبعة في عالمنا العربي. وانتشرت ظاهرة العنوسة بالكويت بشكل لافت، حيث وصلت نسبتها إلى 35 في المئة حسب أحدث الإحصاءات، وعلى المستوى العربي لبنان الأعلى في معدل العنوسة بنسبة 85 في المئة، تليها الإمارات 75 في المئة، ثم العراق وسورية 70 في المئة، والجزائر 62 في المئة، والسعودية والأردن 45 في المئة، ومصر والمغرب 40 في المئة، والكويت وقطر وليبيا 35 في المئة. وتكمن خطورة ارتفاع نسبة العنوسة في المجتمعات في زيادة بعض الظواهر غير المقبولة اجتماعيا ودينيا، مثل الزواج السري والعرفي، وارتكاب أفعال تخالف تعاليم الدين الإسلامي والعادات والتقاليد، وكذلك تؤدي إلى أمراض نفسية وتدفع البعض للإقبال على إدمان المخدرات. غلاء المهور وتجهيزات العرس تأتي قضية غلاء المهور وتجهيزات العرس في مقدمة أسباب العزوف عن الزواج، فبعض الآباء والامهات يغالون بشكل مبالغ فيه في المتطلبات المادية لزواج ابنتهم، كما يضعون شروطا تصل إلى «التبذير» و»البذخ» في تجهيز ليلة العرس، ما يدفع الشاب الذي ما فتئ يبدأ حياته العملية للتأجيل أو العزوف عن الزواج لعدم قدرته على تلبية هذه الاشتراطات المالية الكبيرة. كما أن المسؤوليات المالية بعد الزواج لها دور في تأخيره، كي يعيش الشاب مع أسرته الجديدة في المستوى المادي الذي يطمح إليه، وأيضا لتدخل الأسرة في اختيار شريك الحياة دور في إعاقة إتمام الزواج، وغالبا ما يكون التدخل من الناحية المادية بطلب زوج ثري جدا، لضمان مستقبل مستقر للابنة التي تقع ضحية لمبالغات الأهل. ويجب ألا نغفل جانبا ديموغرافيا هاما هو زيادة عدد الفتيات عن عدد الشباب في المجتمعات العربية والعالمية بشكل عام، وتمثل هذه العوامل السبب في انتشار العنوسة بالمجتمعات الخليجية.

مشاركة :