< قبل سنوات طويلة توجهت مع قريب لي وصديق في الوقت نفسه وبمعيته ابن أخته المطلقة، وهو طفل في الثامنة لنوصله إلى منزل والده، نزل الطفل متجهاً إلى الباب ثم طرقه، والحقيقة أنه بالكاد لمس الباب فلم تكن طرقة، ورجع بسرعة متلهفاً لخاله قائلاً له: «لا أحد في المنزل». تنهّد «الخال» وأخذ الطفل وتوجها إلى الباب وطرقه ثم فتحوا له ودخل وبعدها غادرنا. قال خاله: «أشاهدت ما حدث»؟ قلت: نعم، الطفل حزين لفراق والدته التي لا يسكن معها، بل يزورها نهاية كل أسبوع. قال الخال: صحيح هذه هي مآسي الطلاق، يقع فيها الكبار ويتورط فيها الصغار. منذ تلك الحادثة، وذلك المشهد لا يغيب عن خاطري، حتى أن أحد الأصدقاء القدامى تراجع عن الطلاق على رغم أنه لا يحب زوجته (بحسب ما قال) عندما ذكرت له القصة. الواقع أن الحياة بين الزوجين والأطفال في بيت واحد لا تخلو من المشكلات مهما كانت علاقة الحب داخل الأسرة، فكيف سيكون شكل الحياة والابن أو الابنة في بيت مع أحد الوالدين؟ من المؤكد أن الطلاق حل لمشكلة كبيرة أحياناً، ولكن لممارسته يجب أن تتوافر شروط معقدة جداً لا يلتزم بها المسلمون، وبالذات الرجال منهم. أسباب الطلاق لدى المسلمين كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر: التعدد، وعدم معاملة المرأة بمساواة، والعنف، فضلاً عن الزواج الناتج من عدم توافق من الأساس. طبعاً عندما نذكر المسلمين فنحن لا نعني الإسلام الذي يعتبر الطلاق «أبغض الحلال» عند الله، إلا أنه في المقابل هناك من يستغل كونه حلالاً ومقيداً بالرجل تحديداً ليمارس كل نزواته وخطاياه وحماقاته ويتزوج كما يشاء ويطلق كما يشاء. ربما يعتقد البعض أن الأمر يعتمد على العائلة وموقف الأب تحديداً مِن الذي يتقدم لابنته، القضية هنا ذات شجون؛ منها أن الرجل (هذا إذا افترضنا حسن النية) يعتقد أنه الأعرف بما تريده ابنته أكثر مما تعرف هي عن نفسها، ناهيك عن أن الرجل له حكم الولاية على أخته في حال وفاة الأب أو أي ولي أمر عليها، ممن له ذلك الحق كعم أو خال أو حتى ابن، أما إذا كان الأب أو الأخ أو الولي «سيئ النية» فهناك مئات الطرق التي يستطيع بها أن يعيق زواج ابنته أو أخته أو يجبرها على الزواج بمن يريد هو، بغض النظر عن «دموعها» أو «توسلاتها». ومع كل هذه العوامل التي أدت إلى زواج فاشل سيصبح أمر الطلاق مسألة وقت، إلا أن الحد منه يعتمد على أمور عدة، منها استباقية لشروط الزواج، ومنها معالجة الحالة بعد وقوعها. إصدار قوانين صارمة لإكمال الزواج (من خلال الإسلام لمن يخشى قوانين علمانية) سيحد كثيراً من مؤسسة زوجية ضعيفة نضمن خلالها موافقة الفتاة البالغة عمراً مناسباً عن قناعة تامة من دون ضغط أو إكراه. فضلاً عن شروط تفرض على الزوج في حال أخل بها بحيث يتردد ألف مرة قبل أن يطلق. الشروط الوقائية تحد كثيراً من الطلاق، لكن إن كان ولا بد في بعض الأحيان فيجب أن يتدخل أطباء نفسيون ومراكز إرشاد اجتماعي وتأجيل القرار ما أمكن، فضلاً عن قناعة القاضي بالطلاق وبالذات عندما يطلع الوالدان على تجارب الطلاق السابقة، والتي تؤدي كثيراً إلى تفكك أسري ومصير بائس للأطفال مقارنة بتلك الزيجات المتماسكة. وبتصوري أن الغرب بقوانينه نجح إلى حد كبير في النجاة من الأخطاء التي يقع بها المسلمون، فمعظم حالات الطلاق تتم بتقاسم مالي مرضٍ للطرفين، وقد يرى آخرون أن هذا يؤدي إلى زواج باقٍ لكن على الورق، وهذا صحيح، ولكننا لا يجب أن ننسى أن هذا الشرط يجعل الرجل وأحياناً المرأة (بشكل أقل) يضع هذا الأمر بحسبانه، بحيث يتزوج ليستمر وليس ليغير رأيه في زوجته كما يشاء. abofares1@
مشاركة :