يَسألني كَثيرٌ مِن النَّاس؛ عَن طقُوس القِرَاءة والكِتَابة، ومِثل هَذه الأسئِلَة تَبدو إلَى البَلَادة والتَّنبلَة؛ أقرَب مِنها إلَى النَّجابة والجَهبَذة..! فالقِرَاءة هي القِرَاءة، بَغض النَّظر عَن الطّقُوس، والكِتَابة هي الكِتَابة، بغَض النَّظر عَن الحَالَات والأوضَاع، والكَاتِب الجيّد لا يَرتهن إلَى وَضع مُعيّن، ولا يَكون أسير أجوَاء وشرُوط؛ لابد مِن تَوفّرها ليَكون مُبدعًا..! كَما أنَّ القَارئ الجيّد يَقرأ؛ بلا شرُوط ولا مُوَاصفات، لذَلك تَجد النَّاس في بريطَانيا؛ يَقرؤون في مَحطّات القِطَارَات، وفي الشَّوارع، وفي المَقاهي، وفي صَالونَات الحلَاقة، ولا يَشترطون -مِثلنا- «أُم كَلثوم» في اللّيل، و»فيروز» في الصَّبَاح، حتَّى تُحفّزهم وتُحمّسهم لفِعل القرَاءَة..! إنَّ الصُّدَف في القِرَاءة هي التي تَصنع النَّجاح، وسأَذكُر لَكُم قصّة مَرّت عَليَّ، ولعلَّها مرّت عَلى الكَثيرين مِنكُم..! كُنتُ ذَات مَرَّة في زيَارة لأحد الأصدقَاء، وحِين قَدَّم لِي مَا أستحقُّ مِن الشَّاي العَدني؛ قَال لِي: (يَا أحمَد أعتَذر مِنك لأنَّني مُضطر للخرُوج لمُدّة سَاعتين لقضَاء بَعض شؤُوني المستعجلة، ولَكن هَاك كُوبًا آخَر مِن الشَّاي العَدني، وهَذه مَكتبتي بَين يَديك، تَصفّح مَا تَشاء)، وذَهب بَعدها، فأخَذتُ أتجوّل في المَكتبة، ويَا للهَول حِين ألقيتُ القَبض بالصُّدفة عَلى روَاية بعنوَان: «وَادي المِسك»، للكَاتِب السَّاخِر المُهم «محمد الماغوط» رَحمه الله..! هَذه القصّة حَدَثَت قَبل أكثَر مِن عشرين عَامًا، ومِن بَعدها تَوثّقت عَلاقتي بكَاتِبنا الكَبير «المَاغوط»، وأخَذتُ أَلْتَهم دَوَاوينه الشِّعريّة مِثل: «حُزن في ضوء القَمر»، و»غُرفة بمَلايين الجُدرَان»، و»الفَرَح لَيس مِهنتي»، ثُمَّ زَاد فضُولي فاقتَحمتُ عَوالمه الرِّوائيّة والنَّثريّة الأُخرَى؛ التي تَحوّل بَعضها إلَى أعمَالٍ مَسرحيّة، ومُسلسلات وأفلَام سينمَائية مِثل: «روَاية 1974»، و»سيّاف الزّهور»، و»شَرق عَدَن»، و»البَدوي الأحمَر»، و»شَقَائِق النُّعمَان»، و»خَارج السِّرب»، و»العصفُور الأحدَب»، و»المُهرّج»، و»حَكَايا اللّيل»، و»وين الغَلَط»، و»الحدُود»، و»التَّقرير»، و»الأرجُوحَة»، و»المُسَافر»..! وكَم تَمنّيتُ أن يَتبرّع أَحَد عُشّاق «المَاغوط» الأثريَاء؛ بطبَاعة أعمَاله التي ضَاعت نصُوصها ومسودّاتها؛ بَين أَهْل الإخرَاج والسِّينَاريست، مِثل: «ضيعة تشرين»، و»غُربة»، و»كَأسَك يَا وَطن»..! حَسنًا.. مَاذا بَقي؟! بَقي القَول: إنَّ تَعرُّفي عَلى كُتب «المَاغوط»، كَان بمَحض الصُّدفَة، ولَم أشتَرط طَقسًا مُعيَّنًا لكَي أقرَأ فِيه، ولَو استَسلمتُ لأوهَام بَعض المُثقّفين الكُسَالى؛ لَمَا تَوصّلت إلَى كَاتِب مُهم وكَبير؛ مِثل عمّنا «المَاغوط»..! هَذه باختصَار إحدَى حِكَايَاتي مَع القِرَاءة.. أتمنَّى أن تَتأمّلوها؛ وتَستخلصوا مِنها مَا يُفيد..!! تويتر: Arfaj1 Arfaj555@yahoo.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (20) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :