حلب (سوريا) - وسط حطام مصنع الصباغ للنسيج بمنطقة بليرمون الصناعية في حلب تهدم جدار بفعل القذائف بينما تقف آلة نسيج معطلة ويزيل أفراد أسرة بحذر ألواح الخشب من على جدران مكتب لاستخدامها كوقود. ويمثل هذا المشهد تأكيدا للخراب الذي حل بالبنية التحتية الاقتصادية في حلب أهم مركز صناعي في سوريا قبل الحرب والتحديات التي تواجهها أي خطة طويلة الأمد لإحياء المدينة. وبدأت الحكومة تعيد بعض البنية التحتية الأساسية لحلب تدريجيا فبدأت خدمة القطارات تسير داخل المدينة ومن المقرر فتح المطار قريبا فيما تزيل الجرافات الحواجز والأنقاض من الشوارع. لكن حجم الدمار الهائل في أجزاء كبيرة من المدينة والحرب الدائرة على مقربة يجعلان القيام بأي إعادة تطوير لحلب أو قاعدتها الصناعية غير وارد في الوقت الحالي. وقال فارس الشهابي رئيس غرفة صناعة حلب إن الوضع بالمدينة يشبه الوضع في برلين أو طوكيو عام 1946 فالمدينة مدمرة، مضيفا أنه يؤمن بشدة بمستقبل المدينة. وعلى خلاف هاتين المدينتين اللتين استفادتا من المساعدات الغربية الضخمة بعد الحرب فإن حلب لا تزال في بلد يقاسي ويلات الحرب ويعاني اقتصاديا بفعل العقوبات الدولية دون موارد مالية وبات محروما من أصحاب الخبرات بعد الهجرة على مدى سنوات. وبالنسبة للرئيس بشار الأسد الذي استعادت قواته السيطرة على حلب في ديسمبر/كانون الأول 2016 فإن إعادة إحياء المدينة مهمة ليس لأسباب رمزية فحسب وإنما أيضا لوضعها بوصفها المركز الاقتصادي لسوريا. وتظهر أرقام من المكتب المركزي السوري للإحصاء أن حلب كانت تضم نحو ثلث الشركات والعمال بقطاع الصناعة قبل الحرب. وقال الشهابي إن جميع مصانع حلب التي بلغ عددها 65 ألفا عانت شكلا من أشكال التلفيات أو النهب. وحين تجول بنظرك في حلب ليلا ترى نجوما تتلألأ في السماء فوق مدينة مظلمة محرومة من الكهرباء بالكامل تقريبا لا تنيرها سوى أضواء بضع سيارات. ويستخدم عشرات الآلاف من الناس يعيشون وسط الأنقاض المصابيح التي تعمل بزيت البرافين. وتكشف جولة بالسيارة على مسافة بضعة كيلومترات أحياء كاملة بلا مبان صالحة للسكن وجسورا منهارة ومناطق معزولة بسبب الركام ومركبات تكدست في أكوام وكأنها حواجز في كل الشوارع الجانبية. وفي منطقة بليرمون الصناعية قرب إحدى جبهات القتال تبدو المصانع المحطمة الواحد تلوى الآخر وتحمل الجدران والأسقف فتحات واسعة. وعلى مسافة قريبة مركبات محترقة أما جميع الآلات فكانت إما منهوبة أو محطمة. قتال وقبضة حديدية وعلى الرغم من أن الجيش استعاد حلب فإن دوي طلقات الأسلحة النارية والانفجارات القوية بسبب الضربات الجوية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة قرب بليرمون تذكر بأن المدينة يحيطها مقاتلو المعارضة من كل الجوانب تقريبا ولا يمكن الدخول إليها إلا عبر طريق خطر. والعدد الكبير من نقاط التفتيش في مختلف أنحاء المدينة والدوريات التي تتحرك بكثافة في شرق حلب والتي تقوم بها قوات روسية في ناقلات جند مدرعة تظهر القبضة الحديدية على المناطق التي كانت تسيطر عليها المعارضة فيما سبق وباتت الآن في أيدي الحكومة وحلفائها. ولا تزال حلب معزولة عن المناطق الأخرى التي تسيطر عليها الحكومة ولا يمكن دخولها إلا من طريق فرعي يكون محفوفا بالمخاطر في بعض الأحياء عبر شريط من الأرض يسيطر عليه الجيش بين أراض خاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة على جانب وأخرى يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية على الجانب الآخر. وفي الجزء الشمالي حيث يمر الطريق قرب أراض تسيطر عليها الدولة الإسلامية يحتوي موقع عسكري أسفل تل صغير على مبان خرسانية متهدمة ودبابات محترقة تشهد على قيام التنظيم المتشدد بهجوم مؤخرا. ويسيطر تنظيم الدولة الإسلامية على مصدر المياه الرئيسي في حلب على نهر الفرات بالإضافة إلى حقول الغاز السورية التي يستخدم إنتاجها في تشغيل محطات الكهرباء وهو ما حرم المدينة من مرافق يمكن الاعتماد عليها لسنوات. ويستخدم معظم الناس مولدات الكهرباء والمياه التي تنقلها لهم صهاريج. مدينة مقسمة وعلى الرغم من كل الدمار في شرق حلب وحول أطراف المدينة فإن معظم غرب حلب في حالة جيدة وفي شوارع حي العزيزية التي ترجع لحقبة الانتداب الفرنسي، توجد مقاه ومطاعم تغص بالزبائن كل ليلة. وتزدحم المتنزهات في غرب حلب بروادها وتحظى بعناية جيدة على العكس من المتنزهات المتهالكة بالمناطق التي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة بمقاعدها وألعاب الأطفال المحطمة. وأصبح جانبا المدينة التي انقسمت لأكثر من أربع سنوات الآن متصلة بطريق قصير أو رحلات بالقطارات. وخلال الرحلة القصيرة من محطة بغداد الأنيقة في غرب حلب إلى جبرين في الشرق توقف الناس في الشوارع لتحية مئات الركاب والتلويح لهم في القطار الذي لم يروه منذ سنوات. وتظهر خريطة قديمة في مكتب نجيب فارس المدير العام للمؤسسة العامة للسكك الحديدية كيف تقترب كل مسارات القطارات الرئيسية من الخطوط الأمامية بمجرد أن تغادر المدينة. لكنه قال إنه يعتزم مد خطوط جديدة داخل حلب تصل إلى مناطقها الصناعية. وتحول المبنى الرئيسي بمحطة قطارات بغداد إلى مقر مؤقت لإنجاز الإجراءات الخاصة بأوراق الهوية حيث تدفع أعداد كبيرة من الناس بعضها البعض أمام شبابيك التذاكر. وقف رجل يبلغ من العمر 62 عاما أمام المبنى بصحبة زوجته وابنته وقال إنه يحاول الحصول على وثائق أخذها مقاتلو المعارضة حين كانوا يسيطرون على الحي الذي يعيش به. وقال وهو يحمل صورا من وثائق تغطيها الأختام الرسمية بالإضافة إلى صور لجواز سفر "أسعى للحصول على أوراقي منذ خمسة أيام بالفعل. عند تقديمها يستغرق حصولي على بطاقة الهوية الجديدة شهرا آخر." وخلف مصنع الصباغ يقع المنزل الذي كان يعيش به مديره وقد كتبت على بابه عبارة تشير إلى أنه أصبح ملكا لإحدى جماعات المعارضة التي كانت تسيطر على المنطقة. وفي شارع قريب يوجد جزء من قذيفة مورتر. ولا تزال العدادات والمغازل الدقيقة في آلات النسج بحالة جيدة، لكن المحركات وغيرها من القطع اختفت. وقال الشهابي إن مقاتلي حلب مارسوا نهبا ممنهجا لمصانع حلب وإنهم نقلوا مصانع بكاملها إلى تركيا أو ابتزوا أصحابها للحصول على أموال مقابل ألا يسرقوها، مضيفا أن مصانع أخرى استخدمت لتصنيع الأسلحة أو كسجون. ونفت تركيا ومقاتلو المعارضة النهب الممنهج لمصانع حلب. وفي غرفة الصناعة تجول رجال أعمال من حلب في غرفة الانتظار بينهم الكثير ممن غادروا في خضم الصراع. وقال الشهابي إن أعدادا كبيرة من المؤسسات التجارية في حلب انتقلت مؤقتا إلى اللاذقية على الساحل وإنه لم يبق في المدينة سوى عشرة بالمئة من رجال الصناعة. وقال خلدون سكر الذي يملك مصنعين للملابس الجاهزة ذكر أن مقاتلي المعارضة نهبوهما، إنه لا يعتزم استئناف نشاطه السابق بسبب تكلفة الآلات. وأضاف أن المصنع بناه والده وجده، لكنه يفكر في وقف هذا النشاط والبدء من جديد بمشروع أصغر.
مشاركة :