إشاعة النمطية.. وسوء التفكير

  • 2/18/2017
  • 00:00
  • 27
  • 0
  • 0
news-picture

الصفات أو الصور النمطية التي تنسب إلى الأمم أو الشعوب أو المجتمعات أو الأفراد، تخالف الطبيعة البشرية التي أرادها الخالق- سبحانه وتعالى- لخلقه باختلاف انتماءاتهم العرقية أو الدينية أو المذهبية، ومع ذلك فما زال هناك من يعتقد أن الصفات والصور النمطية حقيقة خلقية بفتح الخاء، ويبني على ذلك أحكاما وقرارات تنتج عكس ما يراد منها، لأنها اعتمدت على تصور غير حقيقي، وإنما هو افتراء تقف وراءه أجهزة وطاقات بشرية أسندت إليها مهمة إشاعة هذا الافتراء وتوسيع دائرته على أكبر نطاق بين دول العالم، واستخدامه وسيلة لتركيع الشعوب واستغلالها وإذلالها لتظل أسيرة تلك الصفات والصور النمطية السلبية، وتجد بين ظهرانيها ومن أبنائها من يروج لها بحسن نية قد تصل إلى درجة الغباء، وربما بسوء نية سعيا وراء أوهام لا تلبث أن تذروها الرياح. وفي ظل تطور تقنيات العصر أصبح ترويج هذه الأفكار ميسورا ومتاحا للجميع، وهي تقنيات تتيح لمن يصنع هذه الأفكار أن يوغل في هذا الطريق، وهو على يقين بأن هناك من سيساعده على ترويج بضاعته الفاسدة من خلال النشر العشوائي عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام المضلل، لتنتشر بين الناس كانتشار النار في الهشيم، ومن خلال التكرار تترسخ في وجدان المتلقين لتصبح جزءا من ثقافتهم العامة إن لم نقل عقيدتهم الراسخة. وإلصاق الصفات السيئة بفئات أو جنسيات أو عرقيات معينة دون غيرها، كل ذلك لا يتم بصورة عفوية، بل وفق خطة تآمرية مدروسة، يقوم بها أعداء المجتمع- أي مجتمع- يراد له البقاء في آخر الصفوف، بعد أن تغلغل في أفراده الانهزام النفسي وهو أشد أنواع الانهزام، وأكثرها خطورة على الناس المستهدفين، خاصة إذا وجد بينهم من يغفل عن الأهداف السيئة لنشر تلك المحاولات، فينقل دون تفكير، وينشر دون تدبير، فوصف شعب ما بكامله بأنه ساذج أو كسلان أو مستهتر أو مبذر أو إرهابي، وكذلك وصف شعب آخر بأنه شجاع أو ذكي أو نشيط أو متزن أو حكيم أو مسالم، كل ذلك لا يمكن التسليم به، لأن التعميم في هذه الحالة يناقض ما أراده الله للبشر من اختلاف في الطباع والصفات والسمات، حتى المجتمعات التي تقودها ظروف البيئة والمستوى الاقتصادي إلى شيء من هذه الصفات السلبية أو الإيجابية، لا يمكن اعتبارها ذات نمط واحد في السلوك، رغم انصهارها في ظروف مواتية لنمط حياتي واحد، فالبشر يتمايزون بالاختلاف، ويتفقون بعد الاختلاف، لكنهم حتما لا يتماثلون في كل شيء، وبالتالي لا تنطبق عليهم جميعا الصفات نفسها، ولا يمارسون السلوكيات ذاتها. في هذا السياق، يتعرض أبناء الخليج لهذا النوع من الاعتداء السافر على سلوكياتهم وأنماط حياتهم، فهناك من يروج ضدهم من الشائعات ما لا يمكن قبوله أو التسليم به، وفيها من السوء الكثير، فالنكات الموضوعة والحكايات المفتعلة والأخبار «المفبركة» والصفات السلبية، أصبحت مادة تنتجها جهات عرفت بعدائها ليس لأبناء الخليج فقط، بل وعدائها لكل ما هو عربي، وغير بعيد عن ذلك الشبكات الظلامية للاستخبارات الإيرانية التي ما فتئت أجهزتها الإلكترونية والإعلامية تروج لهذه الموجة من السخافات للفت من عضد أبناء الخليج، والتقليل من شأنهم، وترويج قيم الانهزام بين صفوفهم، وهناك من ينقل كل هذه التفاهات بحسن نية دون تقدير لنتائجها أو تفكير في عواقبها، كما أن هناك من ينقلها مع علمه بأضرارها ونتائجها السلبية على كل المستويات. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن شعوب إيران لا تتحمل تبعات السلوكيات غير المسئولة لحكام طهران، فهي شعوب مغلوبة على أمرها، وتتعرض لهذ النوع من الاضطهاد النفسي، من قبل حكومتها غير الرشيدة، والسادرة في غيها ضد شعوبها وضد الدول المجاورة لها. كل هذه المحاولات البائسة من قبل غلاة إيران تندرج تحت مسمى الحرب النفسية المعتمدة على الإشاعات، وهي وسيلة قذرة لا تتوانى بعض الدول عن استخدامها لإضعاف خصومها، وجميع الحروب عبر التاريخ لجأت للحرب النفسية لاختراق صفوف الطرف الآخر، وبواسائل اختلفت باختلاف الأزمنة والأمكنة، وهي في هذا الحصر، اتجهت لوسائل التقنيات لصنع آلة الحرب النفسية الجديدة، وأسهلها تناولا وأسرعها انتشارا هي الفضائيات وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت ميسورة بأيدي الجميع صغارا وكبارا، حيث تقدم لهم الدعاوى الباطلة بشكل مغرٍ يوهم بأنها الحقيقة، وبينها وبين الحقيقة ما بين الثرى عن الثريا، وهناك حتما من لا يدرك خطورة هذا الغثاء الذي يجب أن يذهب جفاء بتجاهله وعدم نقله أو الحديث عنه، منعا لانتشاره بين من لا يدرك خطورته، فالتجاهل في هذه الحالة هو خير رد، وإن انجرف وراء هذا الغثاء قليل من الناس، فإن الغالبية العظمى منهم يملكون من الوعي ما يحصنهم ضد هذه التيارات الفاسدة من العبث بعقول الناس، والإساءة إليهم، والتقليل من قدراتهم على التمييز بين الغث والسمين، فالحق بين والباطل بين وبينهما أمور متشابهات يسهل اكتشافها من المدركين لخطورتها والعارفين بمن يقف وراءها. إشاعة النمطية وتعميمها دليل على سوء التفكير وسوء التدبير وسوء المنقلب في الدنيا والآخرة، والله غالب على أمره.

مشاركة :