الإيداعات والتصفيات السياسية - مقالات

  • 2/23/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

بعد أن استقال النائب رياض العدساني من مجلس 2013، تمت استضافته في ديوان الأكاديميين في منطقة الرميثية، في حوار جميل حول أسباب استقالته. تميز اللقاء بحساسية المواضيع التي تمت مناقشتها، وبصراحة رواد الديوان في أسئلتهم وتعقيباتهم، وبسعة صدر الضيف وشفافيته في ردوده. تضخم حسابات بعض نواب مجلس 2009 كان من بين أهم القضايا التي تمت مناولتها في تلك الأمسية. حيث أوضح العدساني أن استقالته من المجلس كانت احتجاجاً على الممارسات الخاطئة، التي منعته عن متابعة قضية الإيداعات المليونية، فعقبت عليه متسائلاً: ألم يكن من الأجدى أن تذكر أسماء النواب المتهمين بالقضية في قاعة عبدالله السالم حيث الحصانة عوضاً عن التخلي عن مسؤولياتك الدستورية عبر بوابة الاستقالة؟ فرد علي، بأنه لم يكن ليسمح له ولا لغيره بذكر الاسماء، كما أنه لم يوفق في الحصول على العدد المطلوب من الاعضاء المؤيدين لطرح قضية الايداعات أثناء إحدى جلسات المجلس. وفي معرض إجابته عن السؤال عن نيته في ترشيح نفسه للانتخابات اللاحقة، أوضح أنه سيترشح ان احتمل أن تكون تشكيلة المجلس الجديد تسمح له بمتابعة محاربة الفساد المستشري داخل المجلس قبل خارجه. وفي الاسبوع الماضي، تمكن العدساني من ذكر أسماء اعضاء مجلس 2009 المعنيين بقضية الايداعات المليونية - التي حفظتها النيابة - مع بيان المبالغ المودعة في حساب كل منهم. لذلك أجد لزاماً علي أن أقدر التزامه بوعده لناخبيه، رغم المعوقات التي واجهها. ولكن من جهة ثانية، لا بد أن أشير إلى أن هناك شبهة سياسية في التركيز على واقعة فساد مالي برلماني واحدة - الايداعات - من دون الحالات المناظرة، لأنها في تلك الحالة ستوظف في تصفيات سياسية من دون شك. بل أن هناك شواهد على تحركات في ذلك الاتجاه، ومن بينها الطلب الذي تقدم به أحد النواب بالاستغناء عن سرد تفاصيل الحسابات المتضخمة، والاكتفاء بتوجيه سؤال لأصحابها عن اسم الشخص الذي دفع لهم تلك المبالغ النقدية. هذا التوجه، تصدى له بعض النواب - ضمنا أو صراحة - وكان من بينهم النائب خليل أبل، الذي اقترح أن يتم توسيع نطاق التحقيق في قضايا العبث بالمال العام ليشمل الفترة الزمنية الممتدة منذ مجلس 2006، وليتضمن الصور غير النقدية من الرشاوى كالقسائم الزراعية والمناقصات الحكومية. العديد من لجان التحقيق البرلمانية تم تشكيلها منذ التحرير حتى يومنا هذا، ولكنها - بصفة عامة - فشلت في محاسبة المتعدين على المال العام، وعجزت عن منع تكرار جرائم المال العام، لأنها افتقرت إلى البيئة الاصلاحية المناسبة، التي من ابرز مقوماتها الشفافية المقترنة بمتطلبات النزاهة. لأن من غير تلك البيئة، قد يرشى «القبيض» ليستجوب وزيراً من أجل ابتزازه أو رئيساً للحكومة بهدف تصفيته سياسيا خدمة لمنافسه، وقد يكون المطلوب من «القبيضة» الآخرين تأييد الاستجواب أو تقديم طلب لطرح الثقة أو التصويت لطرح الثقة بالمستجوب. وفي الاستجواب ذاته يحتمل أن يكون «قبيضاً» آخر معارضاً للاستجواب أو متحدثا ضده أو رافضا لطرح الثقة بالمستجوب. الشاهد أننا كناخبين لا نملك الأدوات المتوافرة في الدول الديموقراطية لمراقبة نزاهة السياسيين وأصحاب المراكز الحساسة، فنلجأ إلى الحكم على مواقفهم وفق درجة تدينهم، الأمر الذي يمكن تزييفه بسهولة. ولذلك نجد أن الفساد في الكويت مستمر ويتفاقم مع تزايد الاستجوابات. إذا لم نستفد من تجارب الدول المتحضرة في محاربة الفساد، فسيستمر تدفق العطايا النقدية والعينية نحو القبيضة وخواصهم، سواء من خلال مناقصات حكومية وبترولية، أو في صورة وظائف قيادية ومزايا وظيفية لمن لا يستحقها، أو عبر استثناءات غير قانونية في الخدمات الحكومية كالعلاج في الخارج. بل ان هذه الاستثناءات قد تكون مرتبطة بمنح الجنسية الكويتية من دون التحقق من استيفاء شروطها، أو قد تكون مقترنة بتغيير الفئة أو المادة التي منحت الجنسية وفقها. لا شك أن قانون انشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد والأحكام الخاصة بالكشف عن الذمة المالية وحماية المبلغ خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح، ولكنها من دون شك غير كافية حتى بعد تطبيق لوائحها التنفيذية ومعالجة ثغراتها. فهناك حاجة إلى العديد من القوانين المكملة، ومنها قانون تعارض المصالح، فضلا عن أهمية ترسيخ ثقافة النزاهة والشفافية في المجتمع... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه». abdnakhi@yahoo.com

مشاركة :