أعمال سي تعتمد التجريدية حينا والواقعية حينا آخر، وتتصف بالشعرية حينا وبالفجاجة حينا آخر، دون أن تخرج من انضباط الخصوصية الفنية التي تجمع الشتات والمغالطات وتقيم ترابط الأفكار وتلاحقها شبه الأوتوماتيكي. واستغرق تحضير المعرض ثلاث سنوات، قدم بعد انقضائها الفنان أفكاره كشعلات وامضة منفصلة عن بعضها البعض بصريا، غير أنها كفيلة بأن تشكل هيئة وحجم المنحدر الذي تهاوى إليه العالم. أعمال تجسد حركة النزوح البشري الهائل على أمواج البحر الغادرة في المناطق الأكثر اشتعالا في العالم العربي، وأعمال أخرى تجسد التفكك الاجتماعي وحالة “البله” التام المتجسد في السعي المستميت خلف المال دون أي وعي بما يحدث فعلا من تصدع لمعنى الحياة كقيمة لطالما كانت خارج نطاق المساومة والابتزاز والبيع والشراء. في أعمال الفنان الحب للبيع والقيم للبيع والبشر للبيع، أفكار أدت بشكل رئيسي إلى جعل سي يبتكر عملة دولار جديدة من فئة “صفر” يزرعها كالألغام في طول وعرض المعرض في تجليات مختلفة. لعب الفنان على المعنى المزدوج لفئة “صفر” التي استحدثها، فمن ناحية “صفر” هو كل شيء أمام المال، ومن ناحية أخرى المال هو “صفر” أمام حجم الخسارة التي سببها. ومن الأعمال التي تجسد جليا هذا المنطق في التفكير وهذا السياق في تتبع الانهيار التام، نذكر تلك التي تحمل هذه العناوين “الحمار والجزرة”، و”شجرة الحياة”، و”إسمنت” و”القلب المحطم” و”أصل العالم الجديد” و”الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”. تتوسط بعض الصور النقدية “الصفرية” صور لوجه الخوارزمي البارز الملامح والحاد النظرات الذي يذكر الفنان إعجابه الشديد به، بوصفه مخترع رقم صفر، وفي ذلك إشارة من الفنان إلى أهمية هذا العالم التي توازي، لا بل تفوق قيمة الشخصيات الأساسية في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية كدنزل واشنطن وأبراهام لينكولن. وتكمن المفارقة الكبرى التي ربما هي نواة المعرض كله في أن الرقم الصفر هو الرقم الذي يلغي إذا ما أجريت عليه عملية الضرب، ولا يتغير ولا يغير إن تعرض لعملية الجمع، وهو مع ذلك الرقم الذي يزيد من قيمة الأشياء-الأرقام إذا ما كُتب بالقرب منها.
مشاركة :