أدى التعصب وقفل باب الاجتهاد إلى الحد من خاصية التفاعل الذاتي بالتفكير والتأمل في القرآن الكريم من قبل جُل أفراد المجتمع المسلم، وكان من جراء ذلك أن توقف الإبداع، وضمرت العقول والأفهام، وصار الناس مشغولون في قضايا عفا عليها الزمن في عالم الغرب المتقدم، الذي تخلص من مسار الغلبة في سياقه الذهني، بإعلانه القطيعة المعرفية مع الموروث الكنسي، وإيمانه المطلق بحرية الإنسان كقيمة أخلاقية. والسؤال: هل المسلمون اليوم في حاجة إلى إعلان القطيعة المعرفية (الإبستومولوجية) مع موروثهم العلمي لبلوغ حالة التقدم الفكري المنشود، ودخول عالم الحداثة بشكل حقيقي وكلي؟ وهل بالإمكان عمل ذلك؟. في تصوري أن جزءا كبيرا من إشكال الذهنية العربية المسلمة، كامن في حالة التجمد التي أصيبت به جراء عدم قدرتها ـ منذ أبكر القرون ـ على التحرر من قيد السلطة الثقافية، الفردية الطابع، الاستبدادية المنهج، التي تمكنت من تسيير دفة الحركة المعرفية في المسار الذي يخدم مصالحها، ويُعزز من قوتها، مستفيدة من كل المعطيات الدينية والاجتماعية والعسكرية، من واقع اعتسافها في تفسير النص الديني بالشكل الذي يتوافق مع رؤيتها، وتكريسها لمفاهيم السلوك العرقي، عبر تداولها الرسمي لمصطلح الموالي مثلا، في مجتمع تـُشدد قيمه النبوية على المساواة وتعميق الأخوة، ناهيك عن ترويجها ـ في بعض الفترات ـ لمفاهيم ثقافة الجهاد دون التقيد بقواعده الأخلاقية الحاكمة، التي شدد عليها النبي وخلفاءه الراشدون من بعده. في ظل هذه المعطيات تشكلت أبرز ملامح الفكر الإسلامي، وتحددت أهم معالمه الفكرية التي شغلت رعيلا كبيرا من علماء الأمة على مختلف القرون وصولا إلى اليوم، وبالتالي فلا غرابة أن نعيش في القرن الخامس عشر الهجري الواحد والعشرون ميلادي، نفس إشكالات القرون المبكرة، والأعجب أن يستلهم كثير من مفكرينا ذات المحددات والمعطيات التي استلهمها الأوائل في نقاشهم وتبريرهم، وكأننا في دوامة لا تنتهي، والمؤلم أن يأتي أحدهم بعد ذلك ليُنظـِّر لعالم الحداثة وما بعد الحداثة في إطار مجتمع محكوم بآليات كلاسيكية صلبة، وقيود من التراكمات النقاشية سميكة، يصعب معها تفكيكها بأي شكل من الأشكال. أمام ذلك تبرز فكرة صوابية القطيعة المعرفية مع الموروث وليس مع التراث، كحل لابتداء مسيرة العبور إلى عالم الحداثة المعاصرة، بمعنى أنه قد آن الأوان لأن نبتدئ من أول السطر، وننفض عن كاهل أذهاننا ما تراكم من أقوال وشروح وتفسيرات وتأويلات حجبت النص الرباني الأول، حتى أننا لم نستطع التفكير فيه بمنأى عن تأثير ما سبق من أقوال وشروحات وتأويلات وتفسيرات بشرية. بهذا القفز الذهني يمكننا إنشاء اللبنة الأولى لجسر العبور الأول في مسيرة الحداثة الفكرية. فهل إلى ذلك سبيل؟! zash113@gmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (51) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :