الخطاب النقابي في تونس تطور وأخذ أشكالا على حد توصيف البعض، تفوق حجمه الحقيقي وأضحى ممثلا في جميع اللقاءات والمسائل التي تهم الدولة التونسية.العرب حبيب المباركي [نُشر في 2017/03/11، العدد: 10568، ص(6)] مسار جار من المفاوضات بين الحكومة والمنظمات النقابية في تونس وسط محيط إقليمي تطغى عليه سمة التوتر يتخوف التونسيون من تأثيراتها السلبية على الديمقراطية الصاعدة في البلد، لكن رغم كل هذا الصخب من التفاعلات السياسوية الضيقة والداخلية، هناك رؤية تبعث على التفاؤل بمستقبل أفضل. طور من المخاض العسير عاشته تونس خلال الأيام الماضية، طرفاه الأساسيان المنظمة النقابية ممثلة في الاتحاد العام التونسي للشغل وحكومة يوسف الشاهد. لكن ككل مرة يتغلب صوت العقل وتجد لغة الحوار مخرجا للأزمة. وجدت تونس، التي بدأت تدريجيا في التعافي بتقلص منسوب التهديدات الإرهابية وعودة الاقتصاد الذي بدأ يتلمّس طريقه نحو استرجاع نشاطه، مخرجا لملفّ النقابات بفضل خطاب هادئ ومتزن للقيادة الجديدة للاتحاد ممثلة في أمينها العام نورالدين الطبوبي. الذي دعا إلى التهدئة وتغليب صوت الحوار. قال الطبوبي بعد لقاء جمعه برئيس الحكومة يوسف الشاهد إن “صوت الحكمة والعقل هو الذي يتغلب في النهاية، وبلادنا ليست في حاجة إلى المزيد من التوتّر”. بدا في كلام الأمين العام الجديد أنّ المرحلة التي تمرّ بها تونس لا تتطلّب كل هذا التصعيد. النقابات مطالبة هي الأخرى بالتهدئة وتغليب مصلحة تونس على كل الاعتبارات الشخصية والثانوية الضيّقة. الجدل القائم بين النقابات والدولة في تونس متأصل منذ سنوات طويلة، بدءا بالزعيم التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، مرورا بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي وصولا إلى الرئيس الحالي المخضرم الباجي قائد السبسي، الذي تسمح له خبرته الطويلة في مجال السياسة تسمح بضبط الإيقاع دون أن يكون فاعلا فيه. عملت المنظمة النقابية منذ فترة طويلة على خوض غمار العملية السياسية، لكن الطريق لم يكن مُعبّدا أمامها بما فيه الكفاية، وتعتبر نفسها جزءا من القرار السياسي في أيّ ظرف سياسي يطرأ على البلاد. لكنها في كل مرة كانت تواجه رفضا شديدا، سواء من الدولة نفسها ممثلة في رئاسة الجمهورية أو من العديد من المنظمات الاجتماعية التي عادة ما تدعو إلى تحييد الاتحاد وإبعاده عن المحاصصات الحزبية والدوائر السياسية الضيقة. وأفقد تدخّل النقابات في العمل الحكومي الدولة توازنها وأربكها في أحيان كثيرة؛ حيث بدا القرار السياسي، في بعض الحالات، مرتجلا ويفتقد للتوازن ومشروطا بأن تتم المصادقة عليه من أطراف نقابية بعينها إن لم يكن التوقيع والإمضاء لا بد منهما. تطوّر الخطاب النقابي في تونس وأخذ أشكالا، على حد توصيف البعض، تفوّق حجمه الحقيقي وأضحى ممثلا في جميع اللقاءات والمسائل التي تهم الدولة التونسية. وارتبطت هذه النقلة النوعية بسياق التحول الذي عرفته البلاد بعد ثورة 14 يناير 2011، وتحديدا بعد فترة حكم الترويكا. الفترة الأولى من حكم الترويكا شهدت المنظمة النقابية نوعا من التجاهل، توجها المنشق عن الاتحاد والأمين العام السابق إسماعيل السحباني بتأسيس نقابة عمالية جديدة (اتحاد عمال تونس) ظنا من الائتلاف الحاكم حينها أنها ستكون خير عنصر ضاغط على اجتهادات القيادات النقابية وتدخلها في الشأن الحكومي. التوافق مسار ضروري لكل ديمقراطية ناشئة. ومستوى من النضج في هذا الاتجاه من المفترض أن يطبع الطبقة السياسية داخل المجتمعات الوليدة من ثورات الربيع العربي. تونس التي جاء الربيع من رحمها تتلمس طريقها بثبات. الكل معني بهكذا جانب من المسألة على اعتبار أنها تحدد المسار الحقيقي للبلد وخطواته في المستقبل. الفاعلون السياسيون، من أحزاب ومنظمات حقوقية وإنسانية ومجتمع مدني ومؤسسات إعلامية، كل هؤلاء يشكلون حلقة مترابطة. وهذا الترابط هو عنصر من عناصر نجاح الديمقراطية في تونس، على حد توصيف الرئيس التونسي. لا خيار غير التوافق بين التونسيين بعد أن انحسر الإرهاب وتراجع إلى مستوى قياسي مقارنة بالسنوات الماضية. واستكمال مسار الديمقراطية الناشئة هاجس يحمله كل التونسيين. جميع الفئات والأطياف ممثلة. تونس تتسع للجميع وهي أيضا بلد الجميع. المقاربة التوافقية سلاح التونسيين. والعمل والابتكار والخلق والإنجاز... مفردات لمعنى واحد وهو النهوض بالبلاد وجعلها مثالا للديمقراطية التشاركية. كاتب تونسيحبيب المباركي
مشاركة :