لبنان بين «تقطيع الوقت» و«قطوع» قانون الانتخاب - خارجيات

  • 3/16/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لا يشبه المَشهد اللبناني اليومي «نظراءه» في غالبية دول المنطقة في ضوء القرار الكبير الاقليمي - الدولي بعزْل لبنان عن البراكين المتفجرة من حوله كـ «مستودعٍ» للاجئين السوريين وصندوقة بريد لرسائل حسن النية، أو سوء النية، بين اللاعبين على مسرح العمليات في الشرق الاوسط. وكانت الترجمة اللبنانية لهذا القرار تَجسّدت بتفاهُم ضمني بين القوى السياسية الرئيسية في البلاد على سياسة «ربْط النزاع» حيال القضايا الخلافية، وأهمها على الإطلاق تَورُّط «حزب الله» العسكري في سورية واستمرار إمساكه بـ «الإمرة الاستراتيجية» كقوةٍ إقليمية يصيب وهجها مجمل الحياة السياسية اللبنانية.وبين ما يشبه «فك الاشتباك» الإقليمي في لبنان وحوله، وربْط النزاع بين اللاعبين المحليين في شأن المسائل الكبرى، أتيح للبنان البقاء حلبة سياسية تحتكم في مجرياتها لموازين القوى المحلية والاقليمية، وهو ما عبّرتْ عنه التسوية التي بدت وكأنها تَقاسُم للسلطة عبر انتخابِ حليف «حزب الله» وإيران العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وعودة حليف المملكة العربية السعودية سعد الحريري رئيساً للحكومة، ومن ثم إطلاق العنان لعملية إعادة تكوين السلطة واستنهاض مؤسساتها وأدواتها، كالبحث عن قانون انتخاب وإقرار الموازنة العامة وإجراء تعيينات للقادة العسكريين والأمنيين وملء الشواغر في الإدارة.وتعكس الوقائع التي شهدها لبنان امس هذا المشهد المغاير لما يجري في الساحات اللاهبة من حوله... فالرئيس عون غادر «مع عائلته» الى الفاتيكان للقاء البابا فرنسيس في الوقت الذي كان وسط العاصمة بيروت يضجّ بحركات احتجاجية على مرمى حجر من مقرّ البرلمان الذي كان يناقش سلسلة «مرهقة» للرتب والرواتب أغضبت القضاة والاساتذة والمواطنين، واستلزمتْ في الوقت عيْنه فرْض ضرائب جديدة في موازنةٍ تتجه الحكومة لإقرارها غداً الجمعة وأطلقت عليها الهيئات الاقتصادية اسم «موازنة الانهيار المالي».ويصطدم الواقع المالي - الاقتصادي بـ «شعبويةٍ سياسية» ناجمة عن تَدافُع القوى المشارِكة في السلطة الى تعزيز نفوذها، كما هو الحال مع ضغوطٍ تُمارَس على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي تردّدتْ معلومات نفاها مكتبه عن انه وضع استقالته بتصرف رئيس الجمهورية، او مع استسهال تحميل الدولة أعباء لا طاقة لها عليها في ملاقاة لـ «الشارع» تحت وطأة حسابات تتصل بالانتخابات النيابية التي كانت مقرَّرة في مايو ومن المرجح ان تحصل في سبتمبر نتيجة عدم التوافق حتى الآن على قانون جديد للانتخاب.ويرتقي الصراع على قانون الانتخاب الى ما يشبه «الحرب السياسية» لتعديل التوازنات داخل السلطة، وهو الأمر الذي يُسقِط الصيغ الانتخابية المتداولة الواحدة تلو الأخرى بفعل «فيتواتٍ» سياسية - طائفية، من المرجّح ان تقود البلاد الى مأزقٍ دستوري يؤدي الى تَجرُّع خيارات صعبة، ليس أقلها معاودة تعويم قانون الانتخاب الحالي او التمديد للبرلمان للمرة الثالثة.وما يعزز هذا الاعتقاد هو رفْض غالبية القوى السياسية للاقتراح الثالث الذي قدّمه رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل (صهر رئيس الجمهورية) بعد اقتراحيْن لم يحظيا بتوافُق، لان القطبة المخفية في المشاريع الثلاثة تضمر إمساك «الثنائية المسيحية» (التيار الوطني الحرب والقوات اللبنانية) بالثلث المعطل في البرلمان ربطاً بحساباتٍ تتصل بالانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو الأمر الذي لن تسمح به القوى الأخرى، ولا سيما «حزب الله».وبدا من خلال المناقشات الدائرة حول قانون الانتخاب ان «حزب الله»، الذي رسم خطاً أحمر حول مطلبه اعتماد النسبية الكاملة غير مستعجِل للمساهمة في إحداث أي اختراق على صعيد التوافق على قانون جديد، الأمر الذي يعزز الاعتقاد بأن الحزب يريد بلوغ اللحظة الخطِرة التي تهدّد بـ«الفراغ» في البرلمان (تنتهي ولايته في 20 يونيو المقبل) لاقتياد الجميع الى واحد من خياريْن: إما النسبية الكاملة وإما التمديد «المقنّع» للبرلمان بتعويم قانون الانتخاب الحالي المعروف بـ «الستين» او التمديد الدستوري.وثمة مَن يعتقد انه سيكون أمام «حزب الله» الوقت الكافي في عملية دفْع مركب قانون الانتخاب من الخلف، بحسب ما تمليه رياح أجندته الاقليمية والمحلية. فإذا استمرّ الستاتيكو الحالي «على حاله» في لبنان وسورية، فإن مصلحة الحزب تقتضي بجرّ الجميع نحو انتخابات على أساس النسبية الكاملة لأن من شأن ذلك تمكينه من بناء تحالف عريض يضمن له غالبية في البرلمان العتيد، أما إذا طرأت تطوراتٌ ضاعفتْ من الضغوط عليه، فإنه لن يتردّد في دفع الأمور نحو الإبقاء على التوازنات الحالية.

مشاركة :