تحرّك المغرب في هذه الأزمة تحكمه لغة صادقة وحازمة للحفاظ على وشائج الأخوة قائمة بين الأطراف الخليجية، وأيضا لتدعيم الاستقرار ليظل مجلس التعاون الخليجي محافظا على مكانته.العرب محمد بن امحمد العلوي [نُشر في 2017/06/15، العدد: 10664، ص(9)] المغرب لا يحتاج إلى تقديم دليل أو تأكيد على تضامنه الموصول مع الدول الخليجية الشقيقة، انطلاقا من حرب الخليج الأولى، ومرورا بدعمه لسيادة الإمارات العربية المتحدة على جزرها الثلاث. هذا هو الموقف الرسمي والدائم للمملكة المغربية الذي عبّرت عنه وزارة الشؤون الخارجية. القرب الوجداني بين العاهل المغربي وكافة قادة دول الخليج يؤهله أكثر من أي طرف آخر للعب أدوار جادة في تقريب وجهات النظر بين الأطراف وعمله على تذليل الصعاب لإيجاد حل للأزمة غير المسبوقة. الواضح أن علاقات المغرب مع دول الخليج العربي تعتمد أولا على الثقة العميقة بين القيادات، وتبني ثانيا على تحالف استراتيجي تبلور على مر العقود لدرء كافة المخاطر، وتتأسس ثالثا على تقارب في وجهات النظر. المغرب كان دوما حاضرا عند أي تهديد واقعي أو محتمل لتلك الدول مجتمعة، ولنا في حرب الخليج الأولى المثل الأوفى لذلك، وأيضا في تضامنه مع البحرين ضد تدخلات إيران الذي وصل حد قطع علاقاته الدبلوماسية مع طهران، ودعمه للسعودية في عاصفة الحزم لاستعادة الشرعية باليمن والوقوف ضد الحوثيين. نرى أن تحرّك المغرب في هذه الأزمة تحكمه لغة صادقة وحازمة للحفاظ على وشائج الأخوة قائمة بين الأطراف الخليجية، وأيضا لتدعيم الاستقرار ليظل مجلس التعاون الخليجي محافظا على مكانته المتميزة كنموذج ناجح للتعاون العربي الإقليمي، كما عبّر عنه بيان وزارة الشؤون الخارجية والتعاون المغربية. نتيجة لذلك فإن موقف المغرب ينطلق من مكانته الاعتبارية داخل مجلس التعاون الخليجي للدفع نحو تمتين روابط التعاون والتضامن التي تجمع الخليجيين وتعميقها من بوابة تفاهمات ومكاشفات صادقة تستجيب لخطورة المرحلة وصعوبتها. وحتى لا نخرج عن السياق الإقليمي والدولي الذي زاد من توتير العلاقات بين دول خليجية ما يجمعها أكثر مما يفرقها، نرى أن موقف المغرب من الأزمة يتطابق مع خطاب العاهل المغربي في قمة الرياض في أبريل 2016، عندما أكد أن الشراكة المغربية الخليجية، ليست وليدة مصالح ظرفية أو حسابات عابرة. لهذا نجد أن تلك الشراكة الاستراتيجية تحتم على الرباط أن يتصدر الدور لرأب الصدع بين الإخوة في الخليج، وعدم ترك الفرصة للآخرين كي يصبوا الزيت فوق نار الأزمة وإدخال المنطقة في صراع المحاور التي عانت منه ولا تزال. هذا هو الواقع الذي يريد المغرب تداركه من خلال وساطة جادّة وصادقة بين الأشقاء، وهذا ما أكدته الخارجية المغربية عندما شددت على أن موقف الرباط لا يمكن ربطه بأي حال من الأحوال مع مواقف أطراف غير عربية أخرى، تحاول استغلال هذه الأزمة لتعزيز تموقعها في المنطقة والمس بالمصالح العليا لهذه الدول. بمعنى أن رؤية المغرب متسقة مع مبادئه تجاه دول الخليج واستشرافه للمستقبل من الأيام، ولهذا فالعاهل المغربي الملك محمد السادس كان واضحا عندما أكد في قمة الرياض أن هناك تحالفات جديدة قد تؤدي إلى التفرقة، وإعادة ترتيب الأوراق في المنطقة. وهي في الحقيقة، محاولات لإشعال الفتنة، وخلق فوضى جديدة، لن تستثني أي بلد. مؤكدا أن المنطقة العربية تعيش على وقع محاولات تغيير الأنظمة وتقسيم الدول كما هو الشأن في سوريا والعراق وليبيا. وقد قام العاهل المغربي، نظرا للعلاقات الشخصية القوية التي تجمعه مع أمراء وملوك دول الخليج، باتصالات موسعة ومستمرة مع مختلف داعيا كافة الأطراف لضبط النفس، والتحلي بالحكمة من أجل التخفيف من التوتر، وتجاوز هذه الأزمة وتسوية الأسباب التي أدت إليها بشكل نهائي، انسجاما مع الروح التي ظلت سائدة داخل مجلس التعاون الخليجي. وتأتي الزيارة التي يقوم بها وزير الخارجية ناصر بوريطة لدول الخليج ترجمة لموقف المغرب من الأزمة ببذله المساعي الحميدة بين الأشقاء، وإيضاح المعنى الحقيقي للدور الأخوي الذي يقوم به العاهل المغربي تجاه دول الخليج، وتقديم تجربته من خلال وساطة لتقريب وجهات النظر وإبعاد سوء الفهم وصنع جسر من التفاهم. موقف المغرب لا يمكن حشره في دائرة المصالح الضيقة وإنما لا بد من قراءته من خلال نظرة شمولية مبنية على عمق العلاقات البينية والسلوك الدبلوماسي العريق والأصيل للمملكة بما يخدم الاستقرار والأمن، وهو ما عبّرت عنه الخارجية المغربية بالقول إن الرباط مستعدة لبذل مساع حميدة من أجل تشجيع حوار صريح وشامل على أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية، ومحاربة التطرف الديني والوضوح في المواقف والوفاء بالالتزامات. جل الاستراتيجيين يؤكدون أن التدخلات الخارجية في شؤون دول المنطقة الغرض منها تغذية أسباب الفرقة والعمل على تفتيت وحدة تلك الدول وإدخال شعوبها في دوامة من الحروب الأهلية وعدم الاستقرار. لهذا نجد المغرب في تعاطيه مع أزمة الخليج الحالية ينطلق من خطورة هذا الواقع وتداعياته الآنية والمستقبلية، وهو ما حذّر منه الملك محمد السادس بالعاصمة الرياض في أبريل 2016، بتأكيده أننا أمام مؤامرات تستهدف المس بأمننا الجماعي، والمس بما تبقى من بلداننا، التي استطاعت الحفاظ على أمنها واستقرارها، وعلى استمرار أنظمتها السياسية. القصد بكل تأكيد هو دول الخليج العربي والمغرب والأردن، التي تشكل واحة أمن وسلام لمواطنيها، وعنصر استقرار في محيطها. لذا فالدفاع عن أمننا ليس فقط واجبا مشتركا، بل هو واحد لا يتجزأ. إنه كلام الملك محمد السادس في العام الماضي ومازلنا نرى ونسمع أصداءه حتى يومنا هذا، والتحرك العملي للرباط كان دوما عبر مجموعة من التدابير والآليات المختلفة، فالمغرب حسب العاهل المغربي يعتبر دائما أمن واستقرار دول الخليج العربي، من أمن المغرب، “ما يضركم يضرنا وما يمسنا يمسكم”. نعتبر أن موقف المغرب من الأزمة التي تمر بها دول الخليج رسالة سياسية ودبلوماسية وإنسانية واستراتيجية إيجابية لكافة أشقائه بالخليج، الغرض منه التصدي لأي اختراق يهدد وحدة تلك الدول والعمل على سدّ كافة الثغرات التي ساهمت في خلق الأزمة وتفاقمها ومعالجة دقيقة للوضع. كاتب مغربيمحمد بن امحمد العلوي
مشاركة :