شرائح واسعة من الشباب لا تستطيع أن تتخيّل الحياة من دون ذلك التواصل الاجتماعي الافتراضي اليومي الذي يخفف من وطأة الأزمات ويجعل المواطن الصالح على يقين أنّ الدنيا بخير.العرب طاهر علوان [نُشر في 2017/04/11، العدد: 10599، ص(18)] في الحياة وجزء من الطبيعة البشريّة تجد الناس تلجأ إلى الناس خاصة في أوقات الأزمات، بمعنى العائلة والأقارب والأصدقاء، الحلقات الثلاث التي يتحرّك في مداراتها إنسان يشعر بأعباء الحياة وثقلها ويحتاج إلى من يسانده فيها. قبل حين من الدّهر لم يكن متاحا هذا الأفق المفتوح الذي نعيش ونتلمّس مدياته الواسعة، أن تُضاف إلى تلك الدوائر الثلاث الأكثر قربا وحميمية من الإنسان دوائر أخرى وأخرى مكتظّة بالناس، ذلك ما قدّمته وسائل التواصل الاجتماعي بكل سخاء وأريحيّة، أصدقاء من بلدان وجنسيات شتّى وإذا بهم جميعا يشاطرون ذلك المستخدم الأعزل همومه. من الطريف أن يسأل مُستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي أناسا لا يعرفهم شخصيّا سوى أنهم “فيسبوكيون” أو “تويتريون” أي شركاؤه في الصداقة عبر ذاك الفضاء الأثيري الافتراضي الرقمي. تجد هناك من يسأل أولئك الأصدقاء الافتراضيين الدعاء لأنه على سفر أو عنده مقابلة عمل أو فحص طبي أو عملية جراحية، من يدعو لوالديه أو لابنه أو ابنته ليحققوا النجاح، هناك من يسأل جمهوره التواصلي الإشارة عليه بنوع السيارة أو الهدية أو الهاتف النقال الذي ينوي شراءه، بل ذهب جمهور التواصل الاجتماعي في ذلك إلى ما هو أبعد من ذلك. هنا سوف تنعكس الأزمات والمشكلات الاجتماعية وصولا إلى الصراعات والحروب في تلك المساحات التواصلية الافتراضية وتجدها مكتظة بأناس مأزومين ينشدون العون من جمهورهم من الأصدقاء الافتراضيين فينبري هؤلاء غالبا بالدعاء لتعزيز معنويات ذلك الإنسان المحبَط. واقعيّا نحن إزاء ظاهرة اجتماعية مركّبة مُستحدَثة أنتجت سياقات حياتية يومية تؤكّدها الساعات الطويلة التي يقضيها مستخدمو التواصل الاجتماعي في العالم العربي خاصة مع تلك المساحات الرقميّة وهم يبثّون شؤونهم وشجونهم وأزماتهم وأزمات بلدانهم. هامش الرفاهية وعلاقات الصداقة واكتشاف أصدقاء جدد يتضاءل بالنسبة إلى أولئك المأزومين الذين وجدوا في وسائل التواصل الاجتماعي ضالّتهم، يبثّون فيها شكاواهم بلا انقطاع إلى درجة أنهم لا يفارقون صفحاتهم الشخصية لا في ليل ولا في نهار. أما على صعيد “الخوارزميّات” التي أنشأتها تلك الشبكات بما أوتيت من تطور تكنولوجي رقمي فإنها قادرة على مواكبة المستخدمين وأيا مما نشروه كان الأكثر قراءة واهتماما وذلك ما يزيد المستخدم سعادة وثقة أنه يسير في المسار الصحيح وأن من حوله أناس طيبون كثر قادرون على التخفيف عنه والحدّ من معاناته. لن نجد على صعيد العالم العربي دراسات مسحيّة عملية معمّقة لهذه الظواهر التي صارت تتداخل مع صميم النسيج الاجتماعي وحياة شرائح واسعة من الشباب لا تستطيع أن تتخيّل الحياة من دون ذلك التواصل الاجتماعي الافتراضي اليومي الذي يخفف من وطأة الأزمات ويجعل المواطن الصالح على يقين أنّ الدنيا بخير ما دام فيسبوك وتويتر وأمثالهما بخير وفيها أناس طيبون يلهجون بالدعاء وأقوال الخير والأماني الطيبة. كاتب من العراق طاهر علوان
مشاركة :