استثمار ولع جيل التواصل الاجتماعي باتجاه انحراف المهمة عن مسارها صار موضع اهتمام ونقاش عالمي، وخاصة لجهة التأثير في اهتمامات المستهلكين حتى صار جيل التواصل الاجتماعي مجرد بيئة استهلاكية.العرب طاهر علوان [نُشر في 2018/02/06، العدد: 10892، ص(18)] تغصّ وسائل التواصل الاجتماعي اليوم بكل ما يهم أو لا يهم المتلقي، كما أن الضخّ اليومي الذي لا يتوقف أخرج كثيرا من منصّات التواصل الاجتماعي عن وظيفتها التي وجدت من أجلها. فمثلا لم يكن يتوقع أن تتحوّل منصة فيسبوك إلى بؤرة للأخبار المزيفة والمفبركة، اتهامات ووقائع لاحقت هذه المنصة لا سيما مع دخولها طرفا في الانتخابات الأميركية الأخيرة. ضاعت ملامح الصفحات المزيفة التي تعج بقصص مفبركة في وسط هوجة مئات الآلاف من الصفحات التي تردد نفس النغمة وتهتم بالموضوع نفسه، ثم اتسعت القصة إلى ما هو أبعد من ذلك، إلى ثقافة السوق والتجارة التي وجد فيها باعة وتجار ومضاربون ضالتهم فصارت تظهر إعلانات مدفوعة لهذا الغرض. المنصة الاتصالية تنفي أن تكون طرفا في كل هذا وأن هناك من يتسلل مستغلا مساحة المرونة التي تتيحها تلك الصفحات، والخروج عن أطر وسياقات التواصل الاجتماعي بين العائلة والأصدقاء إلى ما هو أبعد ببعيد من تلك الوظيفة وضعت علامات استفهام كثيرة حول تلك المنصّات ومستقبلها. من جهة أخرى وصلت الخوارزميات التي يجري توظيفها في تعقب اهتمامات المستخدمين إلى مستويات غير مسبوقة في برمجة الإعلانات التي تثير اهتمامات أولئك المستخدمين، هذا إضافة إلى أن الخوارزميات تتسبب في ملاحقة الناس حتى وهم نيام بالمزيد مما يثير اهتمامهم، وبذلك أغرقت وسائل التواصل الاجتماعي بتشعبات لا حصر لها من الاهتمامات الفردية الثانية. كما أن استثمار ولع جيل التواصل الاجتماعي باتجاه انحراف المهمة عن مسارها صار موضع اهتمام ونقاش عالمي، وخاصة لجهة التأثير في اهتمامات المستهلكين حتى صار جيل التواصل الاجتماعي مجرد بيئة استهلاكية. وفي هذا السياق تناولت دراسات جامعية وحلقات أبحاث كثيرة هذه الإشكالية وتوسّعت في التأثيرات المتلاحقة لوسائل التواصل الاجتماعي، تلك التي صارت اهتمامات الفرد في مقدمة أولوياتها أكثر مما هو معلن في كون تلك المنصات ذات صفة نفعية اجتماعية عامة خالصة. ونشر موقع “سوشيال ميديا ويكلي” تقريرا مفصلا عن كيفية تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في اتخاذ قرارات الشراء والتسوّق بصفة عامة ومن ذلك أن أكثر من 60 بالمئة من مجتمع المستهلكين يأخذ قراره من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، إما بواسطة الإعلانات المنشورة وإما عن طريق صفحات الأصدقاء وما ينشرونه فيها عن تفضيلاتهم، وصولا إلى الرسائل الشخصية التي يرسلونها لأقرانهم لحثّهم على التفضيل. وفي إحصائية أخرى يوردها الموقع نفسه مفادها أن 45 بالمئة من جمهور المستهلكين قد تأثروا بتعليقات مستهلكين آخرين أو بتلك الملخصات عن جودة المنتوج أو البضاعة ومميّزاتها، فضلا عن إمكانية إعادتها واسترجاع الثمن مباشرة في حال عدم توفر القناعة فيها. ويشير الموقع إلى خواص اللوغاريتمات في تتبع ما يعرف بالـ”تريند” والمتعلق بتتبع تفضيلات المستهلكين، فضلا عن تتبع عدد المرات التي يدخل فيها المستهلك للحصول على معلومات إضافية في إطار الفضول الشخصي أو النية في الشراء. وفي هذا الصدد تشير الباحثة شين باركر في تقرير مماثل إلى تضخم وظيفة وسائل التواصل الاجتماعي في أوساط جمهور المستهلكين وتحوّل ذلك إلى ظاهرة اتصالية واجتماعية وسلوكية وليس مجرد موقف فردي عابر. هناك مؤسسات تعوّل كثيرا على اتجاهات مجتمع المستهلكين وتنميطها باتجاه معيّن يخدم مصالحها في السوق ونجاحها في الترويج بأكثر الطرق اختصارا وأقل تكلفة. إذن لم تعُد منصّات التواصل الاجتماعي وسيطا للاحتفال بأعياد ميلاد أصحاب الصفحات الشخصية وتذكيرهم بالأيام واللحظات الجميلة وبما كانوا قد نشروه في صفحاتهم ونسوه، بل تعدت أدوارها إلى ما أشرنا إليه وأكثر، ومن المتوقع أن تتضخم تلك الوظيفة بمرور الزمن وتطوّر الأدوات والوسائل التكنولوجية. كاتب عراقيطاهر علوان
مشاركة :